الخميس، 2 أكتوبر 2014

خطبة مكتوبة عن يوم عرفة وعيد الأضحى



إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونسغفِرُه ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أما بعد : فاتقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على طاعته بما رزقكم، فربُّكم جلَّت حكمته لم يخلقكم هملاً، بل خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً.
أيها المسلمون : إن الله عز وجل قد شرع لنا أياما فاضلة ، يمتن الله فيها على عباده بمضاعفة الاعمال الصالحة، ويعطيهم على القليل الكثير ، ومنها هذه العشر المباركة التي نتفيأ ظلالها، فإنها موسم من مواسم الخيرات ، عظم الله شأنها وأقسم بها في كتابه،
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله وأعظم وأزكى منه في غيرها .
عشر ملئت بفضائل من الطاعات، وكنوز من الباقيات الصالحات، صوم وذكر وصدقة، وتكبير وحج وأضحية.
فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة ، فما منها عوض ولا لها قيمة.
أيها المسلمون : بقي من عشركم أيام قليلة، منها يوم فاضل عظيم من أفضل أيام السنة، أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة:
قال رجل من اليهود لعمر رضي الله عنه قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا}
قال عمر – رضي الله عنه- : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه ، أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. متفق عليه.
وصيام يوم عرفة يكفر سنتين : سئل صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة" رواه مسلم .
وأعظم الدعاء دعاء يوم عرفة: قال صلى الله عليه وسلم: " خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " 
و"ما مِن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء" رواه مسلم.
قال ابن عبد البر "وهذا يدل على أنهم مغفور لهم ؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا بعد التوبة والغفران".
أيها المسلمون: يوم عرفة يوم خوف وخشوع وخشية من الله وذل وانكسار وبكاء بين يدي الغفور الرحيم ..
قال شيخ الإسلام " الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة والنور ما لايمكن التعبير به"
فللصالحين في هذا اليوم حال عجيبة ، منهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء: وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة:
فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم!
 ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء:
قال عبدالله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي،
فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
ووقف الفضيل بعرفة والناس يدعون ، وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة ، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء ، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال : واسوءتاه منك وإن عفوت !
وقال الفضيل لشعيب بن حرب بالموسم : إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحد شر مني ومنك فبئس ما ظننت .
- "فهنيئا ثم هنيئا لمن رزقه الله الوقوف بعرفة، بجوار قوم يجأرون إلى الله بقلوب محترقة، ودموع مستبقة ، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه ، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه ، وراجٍ أحسن الظن بوعد الله وصدَّقَه ، وتائب نصح لله في التوبة وصدقه ، وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه ، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه ، ومن أسير للأوزار فكه وأطلقه ، وحينئذ يطلع عليهم أرحم الرحماء ويباهي بجمعهم أهل السماء ، ويدنو ثم يقول : ما أراد هؤلاء ؟ ".
قال شيخ الإسلام : وقد تكون الرحمة التي تنزل على الحجاج عشية عرفة تنتشر بركاتها إلى غيرهم من أهل الأعذار، فيكون لهم نصيب من إجابة الدعاء، وهذا موجود لمن يحبهم ويحب ما هم فيه من العبادة، فيحصل لقلبه تقرب إلى الله ، ويود لو كان معهم .
فيا عباد الله : يوم هذه فضائله ومزاياه، وهذه منزلته ودرجته، لا يليق بنا أن نفرط فيه أو أن نعرض عن التعرض لنفحات ربنا وعظيم عفوه ورحمته.
أيها المسلمون : وآخر هذه العشر الفاضلة هو أعظم الأيام عند الله، يوم النحر، ومما سنَّه لكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم-  في صبيحة هذا اليوم أن تخرجوا إلى صلاة العيد مبكرين مكبِّرين، مغتسلين متطيبين لابسين لأحسن ثيابكم لأداء صلاة العيد مع المسلمين، ويستحبُّ أن يخرج النساء والأطفال إلى الأعياد ((وَلْتَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى)) كما أمر بذلك النبيُّ .
كما كان من هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يأكل شيئًا صباح ذلك اليوم حتى يعود فيأكل من أضحيته.
ومن الخطأ الشائع عباد الله في صلاة العيد .. جهر المأمومين بالتكبيرات؛ والمشروع أن يخفض المصلي صوته بهذا التكبير.
والمشروع للمسلم أن يفرح بهذا العيد، فرحا لا يخالف شرع الله سُبْحَانَهُ؛ فلا إسبالَ ولا سماعَ محرم أو نظرا إلى محرم ، بل سرور وصلة للأرحام وإحسان إلى الفقراء وشكر لله وفرح بما أباح الله.
عباد الله .. ومن أعظم شعائر يوم العيد ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله تعالى ، شرعها لكم لتذكروه سبحانه عند ذبحها، قال عز وجل(لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ ) يناله منها الإخلاص فيها والنية الصالحة؛ فلتحرص عبد الله على ذلك، وليكن القصد وجه الله وحده، لا فخراً ولا رياء ولا مجرد عادة.
أيها المسلمون : إن من الحكم العظيمة التي شرعت لأجلها الأضحية: ذكرَ حال أئمة الهدى إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما والاعتبار بهم في بذل النفس والأموال في طاعة الله وقوة الصبر، وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهوتها.
فإن الله ابتلى إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل ولده ، وفلذة كبده، ليسلم قلبه لله ، ولا يكون فيه تعلق بسواه، فإن العباد لذلك خلقوا ، وبه أمروا،  فامتثل أمر ربه طائعا، وخرج بابنه مسارعاً، وقال { يا بُنيَّ إني أرى في المنام أني أذبحُكَ فانظرْ ماذا ترى ، قال يا أبتِ افعلْ ما تُؤْمر سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ }
فاستسلما جميعاً للقضاء المحتوم ، وسلما أمرهما للحي القيوم ، فلما تلّه للجبين ، وأهوى إلى حلقه بالسكين ، أدركته رحمة أرحم الراحمين ونودي أن يا إبراهيم {قد صدقت الرؤيا ، إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم} ، فأحيا نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم هذه السنّة ، فأهدى في حجته مائة بدنة ، وضحى في المدينة بكبشين أملحين أقرنين ، فبادروا رحمكم الله إلى إحياء سنن المصطفين الأخيار ، ولا تكونوا ممن بخل وآثر كنز الدرهم والدينار ، على طاعة الملك الغفار ، فاعتبروا بهذه الحادثة العظيمة وأحيوا هذه السنة الكريمة فقد أمر إبراهيم بذبح أعز الناس عنده، فأسرع لامتثال أمر ربه ، 
أوليس من أُمر بذبح شاة أولى بالاستجابة لأمر الله جل في علاه إلا عند من آثر هذه الحياة ـ والعياذ بالله ـ.
وقد وسّعت الشريعة على المسلمين في ذبح الأضاحي حيث تجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته ولابد أن تبلغ الأضحية السن المعتبرة شرعاً، 
وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وفي صفاتها فهي أفضل وأعظم أجراً.
فعن أبي أمامة بن سهل قال: "كنا نسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون".
ومن عجز عن ثمن الأضحية فيستحب له أن يقترض لئلا تفوته هذه الشعيرة العظيمة، سئل ابن تيمية عمن لا يقدر على الأضحية ، هل يستدين ؟، فقال: " إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن ، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك " .
وينبغي أن يحسن ذبح أضحيته فيقودها إليه قودا رفيقا ؛ قال صلى الله عليه وسلم "إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"
ولا يحد الشفرة أمامها ، وليرح ذبيحته بإمرار السكين على محل الذكاة بقوة وسرعة ، ولا يذبحها وأخرى تنظر إليها ، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم "إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها " فقال صلى الله عليه وسلم "والشاة إن رحمتها رحمك الله".
فاتقوا الله ربكم، وعظموا  شعائر دينه كما أمركم، وتقربوا بالأنساك للمولى، تنالوا خيرات الآخرة والأولى.
قال عز وجل (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير)


الخطبة الثانية: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،
أمَّا بعدُ: عباد الله، إن كان لعشر ذي الحجة من الفضل ما قد علمتم فإن لأيام التشريق فضلها ومكانتها، فهي الأيام المعدودات التي أمرنا بذكر الله فيها كما قال سبحانه: وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودٰتٍ ،  وهي من المواسم الفاضلة والأيام العظيمة كما قال النبي : ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله)) مسلم.
وأيام التشريق ثلاثة أيام بعد يوم العيد، وقد ورد النهي عن صيامها، ويشرع اغتنامها بالذكر والتكبير، ومن ذلك التكبير المقيد بأدبار الصلوات المكتوبات الذي يبدأ فجر يوم عرفة لغير الحاج وينتهي بصلاة عصر آخر أيام التشريق.
عباد الله.. سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض، وتعرضوا لنفحات الله في هذه الأيام الفاضلات، فإن الرحيل قريب، والطريق مخوف، والسفر بعيد، والدنيا كلها قليل، والذي بقي منها قليل ، والذي بقي لنا من الباقي قليل ، ولم يبق من قليلنا إلا قليل . 
فاللهم اسلك بنا سبيل المتقين الأبرار، وأعذنا من خزي الدنيا وعذاب النار، ووفقنا في هذه الأيام للأعمال الصالحة، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم يسر على الحجاج حجهم، وتقبله منهم، وأعدهم إلى بلدانهم سالمين غانمين، مأجورين، واغفر لنا ولهم ولجميع المسلمين.
اللهم أبطل مكر أعداء المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين، والرافضة والخوارج المارقين، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، واكفنا والحجاج والمسلمين شرورهم.


-------------------------------------

تابع قناة مجمع الفوائد على التيليجرام
لنشر الفوائد الشرعية وبث المواعظ الأثرية.
https://goo.gl/Wwkq6O