الخميس، 6 يونيو 2013

كلام أهل العلم في عدم ثبوت تعيين ليلة الإسراء والمعراج

[ كلام أهل العلم في عدم ثبوت تعيين ليلة الإسراء والمعراج]

"يكاد الباحث المنصف يعجز عن الوقوف على تاريخ واحد صحيح تطمئن إليه النفس ويقرّ به الفؤاد لميقات ليلة الإسراء والمعراج ، وذلك لسبب بسيط هو كون هذه الليلة ليست معلومة على الوجه القطعي الجازم ، ولا يوجد اتفاق معتبر على ضبط تاريخها بين جماهير أهل العلم من المؤرخين وغيرهم ، فقد اختلفوا في السنة والشهر ، فضلاً عن الإختلاف الشديد في اليوم ، فالجزم بأنها ليلة السابع والعشرين من شهر رجب مما لا أصل له من الناحية التاريخية ، بل قد أنكر كبار الحفاظ والمؤرخين من أهل العلم هذا التاريخ بالتحديد ، وإليك بعض نصوصهم :

1-قال الحافظ ابن دحية الكلبي رحمه الله تعالى (2) :
(ذكر بعض القُصّاص أن الإسراء كان في رجب ، وذلك عند أهل التعديل والجرح عينُ الكذب ، قال الإمام أبو إسحاق الحربي : أُسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول ، وقد ذكرنا ما فيه من الإختلاف والإحتجاج في كتابنا المسمى : بالإبتهاج في أحاديث المعراج) ا.هـ

وقال أيضاً (3) :
(قيل : كان الإسراء في رجب ، وفي إسناده رجال معروفون بالكذب) ا.هـ

2-ونقل الحافظ أبو شامة كلام الحافظ ابن دحية رحمهما الله تعالى نقل إقرار من غير إنكار (4) .

3-وقال الشيخ العلامة علي بن إبراهيم بن داود بن العطّار الشافعي رحمه الله تعالى (5) :
(رجب ليس فيه شيء من ذلك - أي الفضائل - ، سوى ما يشارك غيره من الشهور ، وكونه من الحُرُم ، وقد ذكر بعضهم أن المعراج والإسراء كان فيه ، ولـم يثبـت ذلك) ا.هـ

4-وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقل عنه تلميذه النجيب ابن القيم الجوزية رحمهما الله تعالى (6) :
(لم يقم دليلٌ معلوم لا على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به ..) ا.هـ

5-ونقل الإمام ابن القيم الجوزية كلام شيخه ابن تيمية رحمهما الله تعالى نقل إقرار من غير إنكار (7) .

6-وقال الإمام تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى (8) :
(لا احتفال بما تضمنته التذكرة الحمدونية أنه في رجب ، وبإحياء المصريين ليلة السابع والعشرين منه لذلك ، فإنّ ذلك بدعة مُنضمة إلى جهلٍ) ا.هـ

7-وقال الشيخ العلامة أبو أمامة بن النقاش رحمه الله تعالى (9) :
(أما ليلة الإسراء ، فلم يأت في أرجحية العمل فيها حديث صحيح ولا ضعيف ، ولذلك لم يعينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه ، ولا عينها أحد من الصحابة بإسناد صحيح ، ولا صح إلى الآن ، ولا إلى أن تقوم الساعة فيها شيء ، ومن قال فيها شيئاً ، فإنما قال من كيسه لمرجع ظهر له استأنس به ، ولهذا تصادمت الأقوال فيها وتباينت ، ولم يثبت الأمر فيها على شيء) ا.هـ

8-وقال الحافظ المؤرخ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى ، وهو يحكي الخلاف في التاريخ (10) :
(وقد أورد - أي : عبدالغني المقدسي - حديثاً لا يصحّ سنده ، ذكرناه في فضائل شهر رجب أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب ، والله أعلم ، ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب , وهي ليلة الرغائب التي أُحدثت فيها الصلاة المشهورة , ولا أصل لذلك) ا.هـ

9-وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى (11) :
(أما الإسراء ، فقيل : كان في رجب ، وضعّفه غير واحد ، وقيل : كان في ربيع الأول ، وهو قول إبراهيم الحربي ، وغيره) ا.هـ

وقال أيضاً (12) :
(قد رُوي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولـم يصحّ شيء من ذلك ، فرُوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد في أول ليلة منه ، وأنه بعث في السابع والعشرين منه ، وقيل في الخامس والعشرين ، ولا يصحّ شيء من ذلك ، ورُوي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في سابع وعشرين من رجب ، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره ، ورُوي عن قيس بن عباد قال : في اليوم العاشر من رجب ..) ا.هـ

10-وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى (13) :
(قد اختلف في وقت المعراج ، فقيل كان قبل المبعث ، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم ، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث ، ثم اختلفوا ، فقيل : قبل الهجرة بسنة ، قاله ابن سعد وغيره ، وبه جزم النووي ، وبالغ ابن حزم ، فنقل الإجماع فيه ، وهو مردود ، فإن في ذلك اختلافاً كثيراً يزيد على عشرة أقوال ، منها ما حكاه ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر- فيكون في رجب- ، وقيل : بستة أشهر- فيكون في رمضان- ، وحكي هذا الثاني أبو الربيع بن سالم ، وحكي ابن حزم مقتضى الذي قبله ، لأنه قال : كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة ، وقيل : بأحد عشر شهراً ، جزم به إبراهيم الحربي حيث قال: كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ، ورجحة ابن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر ، وقيل: قبل الهجرة بسنة وشهرين ، حكاه ابن عبد البر ، وقيل : بسنة وثلاثة أشهر ، حكاه ابن فارس ، وقيل : بسنة وخمسة أشهر ، قاله السدي ، وأخرجه من طريقة الطبري والبيهقي ، فعلى هذا كان في شوال ، أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ، ومن ربيع الأول ، و به جزم الواقدي ، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة ، وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهراً ، وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان ، قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً ، وقيل : كان في رجب حكاه ابن عبد البر ، وجزم به النووي في الروضة ، وقيل : قبل الهجرة بثلاث سنين ، حكاه ابن الأثير ، وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين ، ورجحه عياض ومن تبعه) ا.هـ

وهذا ما يؤكد كلام ابن تيمية ، وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام ابن دحية السالف الذكر نقل إقرار من غير إنكار (14) .

11-ونقل الشيخ العلامة القسطلاني كلام ابن النقاش رحمهما الله تعالى نقل إقرار من غير إنكار (15) .

12-وقال الشيخ محمد الشقيري رحمه الله تعالى (16) :
(الإسراء لم يقم دليل على ليلته ، ولا على شهره) ا.هـ

13-وقال العلامة الألباني رحمه الله تعالى معلقاً على كلام الحافظ ابن دحية السابق (17) :
(نقل هذا عن المصنفِ الحافظُ ابن حجر في رسالته السابقة وأقرّه ، بل الواجب تبيين هذا للناس بكل وسيلة ممكنة ، وفي كل مناسبة ، والله المستعان) ا.هـ

وقال أيضاً (18) :
(وقد ذكر الأقوال المشار إليها السيوطي في الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء ص 34 ، والعلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني (4/469) ، فبلغت خمسة أقوال ! وليس فيها قول مسند إلى خبر صحابي يطمئن له البال ، ولذلك تناقض فيها أقوال العالم الواحد ! فهذا هو النووي رحمه الله تعالى ، له في ذلك ثلاثة أقوال حكوها عنه ، أحدها : مثل قول الحربي الذي في الكتاب ، وقد جزم به النووي في الفتاوى له ص 15 ! وفي ذلك ما يُشعر اللبيب أن السلف ما كانوا يحتفلون بهذه الليلة ، ولا كانوا يتخذونها عيداً ، لا في رجب ولا في غيره ، ولو أنهم احتفلوا بها ، كما يفعل الخلف اليوم ، لتواتر ذلك عنهم ، ولتعيّنت الليلة عند الخلف ، ولم يختلفوا هذا الإختلاف العجيب !) ا.هـ

14-وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى (19) :
(وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج ، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره ، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند أهل العلم بالحديث ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها..) ا.هـ

15-وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى (20) :
(فأما ليلة السابع والعشرين من رجب ، فإن الناس يدّعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها إلى الله عز وجل ، وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية ، وكل شيء لم يثبت ، فهو باطل ، والمبني على الباطل باطل) ا.هـ".

جمعه : عبدالله الحسيني .

------------------------------
(2) "أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب" (ص 53-54) .
(3) "الابتهاج في أحاديث المعراج" (ص 9) .
(4) "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص 116-117) .
(5) "حكم صوم رجب وشعبان" (ص 34) .
(6) "زاد المعاد" (1/57) .
(7) "زاد المعاد" (1/57) .
(8) "السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم" (ص 492) .
(9) "المواهب اللدنية" (2/431) .
(10) "البداية والنهاية" (4/270) .
(11) "لطائف المعارف" (ص 140) .
(12) "لطائف المعارف" (ص 177) .
(13) "فتح الباري" (7/203) .
(14) "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" (ص 11) .
(15) "المواهب اللدنية" (2/431) .
(16) "السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات" (ص 143) .
(17) تخريج كتاب "أداء ما وجب" (ص 53) .
(18) تخريج كتاب "أداء ما وجب" (ص 54) .
(19) "مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز" (1/183) .
(20) "مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين" (2/297) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق