الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

موعظة الصيف

 [ موعظة الصيف ]

" • دارُ الآخرة إمّا دار نعيمٍ مَحضٍ لا يشوبه ألم، وهذا للموحِّدين الطائعين،
• وإمّا دار عذابٍ مَحضٍ لا يشوبه رَاحةٌ، وهذا للمشركين،
• وأما هذه الدار الفانِية فممزوجة بالنعيم والألم، فما فيها مِن النعيم يذكِّر بنعيمِ الجنّة، وما فيها من الألم يذكِّر بألم النار "

قال أحد العُبّاد الزّهَّاد وَهوَ يَتَحدَّث عن تفَكُّر المؤمنين في تقلُّب اللّيل والنهار ومجيءِ الشِّتاء والصيفِ: "فوالله، ما زالَ المؤمِنون يتفكّرون فيما خلق لهم ربُّهم حتى أيقَنَت قلوبهم حتى كأنما عبدوا الله عن رؤيتِه، وما رأى العارفون شيئًا من الدنيا إلاّ تذكّروا بِه مَا وَعَد الله به مِن جِنسه في الآخرة".

ممّا يُذكّر بالنّار ما جَعَله الله في هذه الدّارِ من شدّةِ الحرّ وشِدّة البرد، فحرُّ الدنيا يذكِّر بحَرِّ جهنَّمَ وسمومها، وبردُها يذكِّر بزَمهَرِيرِها، قال تعالى في صِفَة الجنّة: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا}
فنفى عنهم شِدّةَ الحرّ والبردِ،

• قال قتادة رحمه الله: "عَلِم الله أنّ شدَّةَ الحر تؤذي، وشدّة البرد تؤذ، فوقاه أذاهما جميعًا".

"كان الصحابة يقولون: الحمد لله الرفيق الذي إذا شاءَ جاءَ بِبردٍ يقَرقِفُ الناسَ ـ أي: يَرعَد الناسُ من البرد ـ، وإذا شاء ذهَبَ بذلك وجاءَ بحرٍّ يأخذ بأنفاس الناس؛ ليعلمَ الناسُ أنَّ لهذا الخَلقِ ربًّا هو يحادِثُه بما تَرَونَ من الآيات، كذلك إذا شاءَ ذهَب بهذه الدّنيا وجاء بِالآخرةِ "
(الحسن البصري)

في تقلب الزمان دلائلُ 
قال ابنُ رجب: "واختلافُ أحوالِ الدّنيا من حرٍّ وبَرد وليلٍ ونهار وغَيرِ ذَلك يَدلّ على انقِضائِها وزَوالها" 

من أين يأتي هذا الحر ؟
قال صلى الله عليه وسلم :
"إِذَااشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ " متفق عليه. 

فإذا كان حر الصيف نََفَسًا لجهنم، فكيف بجهنم نفسِها؟!

{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ}
{إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍسَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} 

قال صلى الله عليه وسلم :" نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ " قَالُوا:وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : " فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا " رواه مسلم .

قال صلى الله عليه وسلم " اشتَكَت النار إلى ربها فقالت: يا ربِّ، أكل بعضي بعضًا، فأذِن لها بنفَسَين: نفسٍ في الشتاء ونفسٍ في الصيف، فأشَدُّ ما تجِدون من الحرّ من سموم جهنم، وأشدّ ما تجدون من البرد من زمهرِير جهنّم" متفق عليه.

قال الحسن البصري: "كل برد أهلك شيئا فهو من نفس جهنم، وكل حر أهلك شيئا فهو من نفس جهنم"
وقال قتادة في معرض هذا: " هل لكم بذلك يدان أم لكم عليه صبر ؟ طاعة الله ورسوله أهون عليكم يا قوم، فأطيعوا الله ورسوله " .

 يا من لا يصبر على وقفة يسيرة في حرِّ الظهيرة، كيف بك إذا دنت الشمس من رؤوس الخلائق، وطال وقوفهم، وعظم كربهم، واشتد زحامهم؟! 

تفرُّ من الهجير وتتقيهِ ** 
فهلا من جهنم قد فررتا
ولستَ تطيقُ أهونها عذابًا **  
ولو كنت الحديدَ بها لذُبتا

قال صلى الله عليه وسلم :" تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق،
فمنهم من يكون إلى كعبيه،
ومنهم من يكون إلى ركبتيه،
ومنهم من يكون إلى حقويه،
ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا"، قال: وأشار رسول الله بيده إلى فيه.. رواه مسلم 

ليتنا نلبي نداء الله طائعين منيبين 
فالشمس بحجمها الهائل وحرارتها المحرقة ولهبها المتوهج تسجد بين يدي ربها مذعنة ذليلة ،
قال صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ :" أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟
قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُـولُهُ أَعْلَمُ
قَالَ:" فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} رواه البخاري .
  
(مستفادة من لطائف المعارف لابن رجب، ومن خطبة للشيخ حسين آل الشيخ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق