بسم الله الرحمن الرحيم
هل تبحث عن السعادة ؟
"السعادة" هي الغاية التي يسعى كل من على وجه الأرض
لتحقيقها.
وقد حرص الناس جميعهم -عالمهم وجاهلهم- على البحث عن أسباب حصولها،
وأتعبوا أنفسهم في اختراع ما يُذهب عنهم شبح الضيق والألم والشقاء.
إلا أن الواقع أن الحلول المطروحة لم تصل بهم إلى مبتغاهم، فهم
يقصدون السعادة بكل سبب ممكن من لهو أو متعة أو غيرها؛ وقد يحصلون على لذة ما،
لكنها لذة مؤقتة؛ وعن قريب يستفيقون على شيء في داخلهم يكدر عليهم صفو حياتهم.
وهذه الكلمات التي بين يديك قد تفتح لك بابا إلى السعادة الحقيقية،
وتأخذ بيدك إلى الراحة النفسية والاطمئنان التام.
وقبل أن تسترسل في إكمالها أتمنى أن تقف وقفة مع نفسك وتحاول أن تفتح
عقلك وقلبك لها، والعاقل هو الذي يبحث عن الحقيقة مهما كان قائلها.
إن الحقيقة التي لا ينكرها أي إنسان تجرد من الأهواء: أن السعادة
الدائمة لا تكون إلا بالإيمان بالله الذي خلق الخلق، والاهتداء بهديه؛ لأنه هو
الذي خلق الناس، وهو العالم بما يسعدهم ويشقيهم، وينفعهم ويضرهم.
وكثير من علماء النفس قد قرروا أن الإنسان المتدين هو الذي يعيش
-وحده- السعادة والطمأنينة .
وإذا كان الإيمان بالله هو مكمن السعادة فكيف الطريق إليه؟
لقد تعددت الديانات والمعتقدات وتنوعت، والناظر فيها يلاحظ أن
الاختلافات بينها اختلافات جذرية، ولا يمكن بحال أن تكون جميعها حقاً.
فما الدين الصواب منها؟
وما هي العقيدة التي يحبها الله ويحب أن نعتنقها؟
وما هو الذي يكفل لنا منها السعادة في الدنيا والآخرة؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات لابد من وضع أساس صحيح يُنطلق منه إلى
الاختيار الصحيح للدين الصحيح؛ إذ أعتقد جازماً أن جميع العقلاء يوافقون على أن
نشأة الإنسان على دين معين، وكون أبيه وأمه ومجتمعه عليه لا يدل بالضرورة على أنه
الدين الحق ما لم تدل الأدلة المقنعة على ذلك، ويصل العقل إلى اطمئنان ويقين بذلك.
وإذا كان العقل هو الفارق بين الإنسان و الحيوان؛ فإن على صاحبه أن
يستعمله في النظر في هذه القضية التي هي أهم القضايا وأخطرها.
وإن رحلة قصيرة في عالم الأديان والتجول بين معتقداتها قد يكون وسيلة
جيدة للوصول إلى الجواب المأمول.
وحتى أختصر عليك الوقت والجهد فإني أقول لك بكل ثقة وشفقة: إنك مهما
بحثت ونقبت فلن تصل إلا إلى حقيقة واحدة، هي: الدين الحق هو (الإسلام)، والسعادة
الحقيقية هي في (الإسلام).
وقبل أن تتعجل برد هذه الكلمات وتقطع إكمالها لاحظ أن إكمالها لن
يضرك شيئاً، وقد تستفيد بذلك فائدة ما ..
وقبل ذلك أنت صاحب عقل تميز به الأشياء، وتعرف الصواب من الخطأ.
لماذا الإسلام هو الدين الحق؟
سؤال قد يطرحه القارئ؛ وهو سؤال جيد ومهم، ويدل على أن صاحبه ذو عقل
ناضج وفكر مستنير.
وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن دين الإسلام دين اجتمعت فيه خصائص
ومميزات لا توجد في دين سواه، وهي أدلة مقنعة تدل على أنه الدين الحق المنزل من
عند الله، و يمكن التحقق من صدق ذلك أو كذبه بالنظر فيها بعمق وهدوء.
ومميزات الإسلام وخصائصه من الكثرة بحيث يصعب حصرها في كلمات معدودة،
لكن يمكن إيجاز ذلك فيما يأتي:
1- من أعظم مميزات الإسلام أنه
يشبع الناحية الروحية في الإنسان ، ويجعل من يعتنقه ذا صلة بالله تعالى دائما؛
فيورثه ذلك الطمأنينة والراحة النفسية، ويحميه من الفوضى والضياع والفراغ الروحي
والاضطرابات النفسية.
2-
من مميزات الإسلام أيضاً
أنه متوافق مع العقل تماماً ، فجميع أحكامه وشرائعه مقبولة عقلاً ، ولا يمكن أن
يكون بينها تناقض أبداً ، ولذلك لما أسلم أحد الأشخاص سئل : لماذا أسلمت ؟ فقال :
ما أمر الإسلام بشيء فقال العقل ليته لم يأمر به ، ولا نهى عنه فقال العقل ليته لم
ينه عنه .
وإذا كانت كثير من الديانات يصعب قبول الكثير من مبادئها ، ويقف
العقل حائراً أمام كثير من مسلماتها ؛ فإننا نجد الإسلام يحترم العقل ويأمر
بالتفكير ، وينهى عن الجهل ويذم التقليد الأعمى .
3- أن الإسلام يمزج بين الدين
والدنيا ، ويعتني بالروح والبدن جميعاً ، ولا يعني الالتزام بالإسلام الانفراد
بهيئة معينة ، أو تحريم طيبات الحياة .
بل في الإسلام يمكن للإنسان أن يكون متديناً ، وهو مع ذلك يمارس
حياته العملية على أحسن أحوالها ، بل ويصل إلى أعلى منصب ويحوز أرفع شهادة .
4- من مميزات الإسلام أيضاً :
أنه دين شمولي؛ فكل جانب من جوانب الحياة فللإسلام فيه تنظيم ، وكل مشكلة فلها في
الإسلام حل . ولذلك فيمكن تطبيقه واعتناقه في كل زمان ومكان .
وكيف لا يكون الإسلام كذلك وقد نظم هذا الدين ووضع القواعد والأحكام
المناسبة في كل المجالات ، ابتداءً بأحكام القضاء وفصل النزاعات ، ومروراً بأحكام
البيع والمعاملات التجارية وتنظيم العلاقات الاجتماعية والحياة الزوجية ، وانتهاءً
بأحكام التحية وآداب الطريق وتنظيم تصرفات المرء مع نفسه من نوم وأكل وشرب ولباس
... إلخ ، كل ذلك ليس بصورة إجمالية ، بل بتفصيل دقيق يقف العقل عنده متعجباً، ولك
أن تعلم أن الإسلام يوجه المسلم حتى في كيفية لبس الحذاء وخلعه، ويحثه على استعمال
اليد اليمنى في الأكل والشرب والمصافحة والأخذ والإعطاء ، وأما الأمور المستكرهة –
كقضاء الحاجة مثلاً – فتُستعمل فيها اليد اليسرى .
وإذا جاء وقت النوم فللإسلام توجيهٌ بديع في كيفية النوم والاستيقاظ.
وإذا التقى المسلمان في الطريق فالإسلام ينظم كيفيه السلام بينهما؛
فالراكب ينبغي أن يبدأ بالسلام على الماشي ، والصغير هو الذي يبادر الكبير ،
والجماعة القليلة عليها أن تلقي التحية على الجماعة الأكثر منها.
وهذا قليلٌ من أحكامه الكثيرة الشاملة والمنظمة لجميع مناحي الحياة.
5- من مميزات الإسلام : أنه في
جميع أحكامه يحقق الخير للإنسان ويدفع عنه الضرر ، فأحكام الإسلام ترجع منفعتها
للإنسان نفسه ومجتمعه.
فإذا منع الإسلام الخمر والمخدرات - مثلاً – فلما فيها من ضرر كبير
على عقله وصحته ، وأنت ترى حال السكران وأنه أصبح بغير الإنسان أشبه منه بالإنسان
.
وما كانت كثير من حالات القتل أو المشاجرات أو حوادث السيارات أو
الاغتصاب أن تحصل لولا تناول هذه المذهبات للعقول .
وإذا منع الإسلام العلاقات الجنسية خارج عقد الزواج فلتجنيب الإنسان
الأمراض الفتاكة كالإيدز والزهري وغيرهما ، ولتجنب المجتمع ويلات الانفلات الخُلقي
، ونشوء جيل من اللقطاء فاقدي حنان الأم وتربية الأب فيكونون عبءً على المجتمع
ووبالاً عليه .
وإذا أمر الإسلام المرأة بعدم إظهار مفاتنها أمام الرجال الغرباء
فلأنه يراها درة مصونة غالية الثمن ، ليست سلعة رخيصة تعرض على الطرقات أمام كل
أحد ، وليحميها من ذئاب البشر الذين لا همَّ لهم إلا تحصيل شهواتهم ولو كانت على
حساب كرامة المرأة وقيمتها وطهارتها .
وفي المقابل أباح الإسلام كل شراب نافع غير ضار ، كما أباح استمتاع
كل من الجنسين بالآخر بمقتضى عقد الزوجية ، وداخل بيت أسري سعيد .
والخلاصة : أن الإسلام لم يأت بكبت الحريات والرغبات ، وإنما جاء
بضبطها وتنظيمها بما يعود نفعه على الإنسان وعلى مجتمعه وعلى العالم أجمع .
6- من الجوانب المشرقة في
الإسلام : عنايته بالقيم والأخلاق والآداب الحميدة ، ونهيه عن الظلم والاعتداء وكل
خلق سيء .
فالإسلام دين المحبة والاجتماع والرحمة ، نظم علاقة الإنسان بوالديه
وأقاربه وجيرانه وأصدقائه وسائر الناس ، وزرع في نفوس معتنقيه أمثل الأخلاق وأرفع
الآداب .
إن الإسلام ينهى الإنسان عن أن يعيش لنفسه فقط ، ويربيه على مساعدة
غيره ومراعاة شعورهم ؛ فالفقير واليتيم وكبير السن والأرملة لهم في الإسلام حقوق
لا يؤديها المسلم على أنها أمر ثانوي ، ولا يشعر حينذاك بالمنة والتفضل؛ بل هي من
واجباته وما يلزمه .
ففي الإسلام -مثلا- يُعد من الذنوب العظيمة أن ينام الإنسان شبعان
وهو يعلم أن جاره جائع ، كما أن الإسلام ينهى أن يتحدث اثنان همساً وثالث في
المجلس لا يسمعهما؛ مراعاة لشعوره .
بل تجاوز الإسلام ذلك؛ إذ أوجب الرفق بالحيوان وحرم أذيته أو الإضرار
به.
ومن دقائق الإسلام في ذلك أنه يمنع الذابح أن يذبح الشاة مثلاً والأخرى
تنظر إليها ، أو أن يحد السكين أمامها حتى لا يقتلها مرتين .
إن الصدق والأمانة والشجاعة والكرم والحياء والوفاء بالوعد أخلاقٌ حث
عليها الإسلام كثيراً ، كما أن عيادة المريض وتشييع الجنائز وبر الوالدين وزيارة
الأقارب والجيران والسعي في قضاء حاجات الآخرين: آداب دعا إليها وأمر بها .
وفي المقابل فإن الإسلام قد منع المسلم أشد المنع من الظلم والكذب
والتكبر والحسد والاستهزاء بالآخرين أو سبهم أو خيانتهم .
في الإسلام لا يجوز أن تذكر شخصاً غائباً بسوء ولو كنت صادقاً ، كما
أنه يدعو في الإنفاق إلى التوسط بين الإسراف والبخل .
إنه في الوقت الذي تشكو فيه كثير من المجتمعات من جفاف المشاعر
وطغيان المادية وغلبة حب الذات نجد الإسلام يضع العلاج الناجع لكل تلك المشكلات .
وبعد ... فإذا كانت الكلمات السابقة قد أعطت نبذة يسيرة عن الإسلام
وبعض خصائصه ؛ فإنه من المناسب التذكير بأن الإسلام دين واضح ، وفمهه ميسور لكل
أحد ، كما أنه دين مفتوح الأبواب ، لا يغلق في وجه من يريد اعتناقه .
وإذا كان استيعاب أحكام الإسلام جميعها في كلمات يسيرة ممتنعاً ؛ فإن
إطلالة يسيرة على أهم مبادئه قد تزيد صورته وضوحاً لدى من يريد التعرف عليه .
إن جميع أحكام الإسلام وتعليماته مهمة ، غير أن منها ما هو أهم من
غيره، وهذه الأحكام ( الأهم ) ستة يجب أن تُعتقد بالقلب ، وخمسة عملية .
أما الستة الاعتقادية فهي :
1- الإيمان بالله وحده لا شريك
له .
وذلك بأن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى وحده خالق هذا الكون بجميع ما
فيه ، وأنه وحده المتصرف فيه بما يشاء ، وإذا كان الأمر كذلك فإن العبادة لا تكون
إلا له وحده. وهذه العبادة هي العمل بأحكام الإسلام وشعائره, مع اعتقاد أن أي دين
غيره فهو دين باطل.
2- الإيمان بالملائكة.
والملائكة خَلْقٌ من خلق الله لا نراهم في الدنيا, وهم قائمون بعبادة
الله, ولا يعصونه أبداً, والله سبحانه يأمر الملائكة بالقيام بكثير من شئون هذا
الكون؛ مثل جبريل عليه السلام, ومهمته نقل وحي الله تعالى -أي كلامه- بين الله
وأنبيائه, ومنهم ميكائيل عليه السلام وهو الموكَّل بشأن المطر, ومنهم ملائكة
وظيفتهم إحصاء أعمال العباد وكتابتها حتى يحاسبوا عليها يوم القيامة, إلى غير ذلك
من الوظائف الكثيرة.
ويجب إن يُعتقد أن هؤلاء الملائكة الكرام إنما يتصرفون بأمر الله
تعالى, ولا يفعلون إلا ما يريده.
3- الإيمان بالكتب.
وذلك بأن يُعتقد أن الله تعالى أنزل على عباده كتباً هي كلامه الذي
فيه سعادة البشر وبيان ما يحبه الله تعالى وما يكرهه, والذي ينقل هذا الوحي إلى
النبي هو جبريل عليه السلام -الذي هو أعظم الملائكة- والنبي يبلغ ذلك إلى الناس.
والكتب التي أنزلها الله كثيرة, منها: التوراة وقد أنزله الله على
موسى عليه السلام, والزبور الذي أنزله الله على داود عليه السلام, والإنجيل الذي
أنزله الله على عيسى عليه السلام, والقرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه
وسلم.
ويجب أن يُعتقد أن جميع هذه الكتب قد نسخها القرآن, بمعنى: أنه
القرآن هو وحده الذي يجب العمل به بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم, لاسيما
وأن هذا القرآن قد جمع كل مميزات الكتب التي قبله وزاد عليها.
ولك أن تعلم أن هذا القرآن من أعظم الأدلة على أن هذا الدين حقٌ
منزلٌ من عند الله تعالى؛ إذ قد أُُنزل القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة؛ ومن
ذلك الوقت وإلى الآن لم يُكتشف فيه خطأ أو تناقض ولو في كلمة واحدة.
ولا تزال الاكتشافات العلمية في هذا العصر تتوالى, وكثير من تلك
الاكتشافات قد وردت في القرآن منذ ذلك الوقت البعيد.
كما أنه من ذلك الوقت وإلى الآن لم يُزد عليه ولم يُنقص منه كما حصل
للكتب الأخرى, ولذا فإن المصحف الذي تجده في أقصى الشرق لا يختلف عن المصحف الذي
تجده في أقصى الغرب, ولو اطلعت على مصحف عمره مئات السنين فإنك لا تجده يختلف عن
المصحف المطبوع هذا العام ولو في حرف واحد, وهذا من حفظ الله لهذا الكتاب, الذي هو
كتاب الدين الخاتم لجميع الأديان.
إن الكلام عن القرآن كلام طويل, لكن يكفي أن تعلم أنه لا مثيل له
مطلقاً من حيث الأسلوب، ومن حيث تأثيره على النفوس, ومن حيث إخباره عن المغيبات.
4- الإيمان بالرسل.
وذلك بأن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى اختار بشراً هم أفضل البشر,
وأنزل عليهم وحيه, وأمرهم بتبليغ دينه إلى الناس.
والرسل كثيرون, منهم: نوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط ويوسف وموسى,
وغيرهم كثير عليهم الصلاة والسلام.
ومنهم عيسى بن مريم عليه السلام الذي يجب الإيمان بأنه رسول كريم,
وأنه من أفضل الرسل, فيجب الإيمان بنبوته, ومحبته واحترامه, ومن أبغضه أو لم يؤمن
بنبوته فليس له نصيب في الإسلام. كما يجب اعتقاد أن الله تعالى خلقه من أم بلا أب؛
حيث أرسل الله المَلَك ونفخ في بطن مريم فكان منه عيسى عليه السلام.
ولا يجد المسلم في نفسه ما يمنع من تصديق ذلك, فليس الله سبحانه
عاجزاً عن خلق عيسى من أم بلا أب, كما لم يعجز عن خلق آدم من غير أم ولا أب.
وبهذا نعلم أن عيسى عليه السلام رسول كريم, وليس هو الله وليس ابناً
لله.
وقد جاء عيسى عليه السلام بالبشارة بالنبي الذي يجيء بعده, وهو محمد
بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, الذي ختم الله به الرسل, فلا رسول بعده.
وهذا الرسول (محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم) الذي بعثه الله
قبل ألف وأربعمائة عام أصبح واجباً على جميع الناس الذين وُجدوا بعد بعثته وإلى
قيام الساعة أن يؤمنوا به ويعتقدوا برسالته ويطيعوه فيما يأمر به أو ينهى عنه.
وقد أجمع كل من اطلع على سيرة هذا الرسول وتاريخه أنه شخصية عظيمة,
قد أعطاه الله من كريم الخلق ونبيل الصفات ما لم يوجد في أحد قبله أو بعده, ولعل
أدنى اطلاع على ما كُتب عنه يؤكد صحة ما أقول.
كما أن الله تعالى قد آتاه من الأدلة والبراهين على صدق نبوته ما
يجعل التشكيك في ذلك من المستحيلات العقلية. ومن لم يؤمن بصدق النبي محمد عليه
الصلاة والسلام مع ما آتاه الله من الدلائل والبراهين فإنه لا يمكن أن يدعي ثبوت
نبوة غيره من الأنبياء إطلاقا.
5- الإيمان باليوم الآخر.
وذلك بالاعتقاد الجازم بأن بعد هذه الحياة التي نعيشها حياة أخرى
أكمل منها, وأن هناك جزاءً ونعيماً وعقاباً, أما النعيم ففي دار اسمها (الجنة),
وأما العقاب ففي دار اسمها (جهنم). فمن آمن بدين الإسلام وعمل به فمصيره إلى
(الجنة) التي فيها من أصناف النعيم والسعادة مالا يخطر بالبال, وكل نعيم بالدنيا
لا يساوي من نعيم الجنة شيئاً, ومن دخل الجنة فإنه يتنعم فيها إلى مالا نهاية؛ إذ
لا موت فيها.
وأما من لم يؤمن بدين الإسلام وخالف أحكامه فمصيره إلى (جهنم) التي
فيها من النيران وأصناف العذاب مالا يخطر بالبال. وجميع نيران الدنيا وأصناف
عذابها لا تساوي أمام عذاب جهنم شيئاً.
و وجود الحساب والنعيم والعذاب بعد هذه الحياة قضيةٌ مقبولة عقلاٌ؛
لأنه يستحيل أن توجد هذه الدنيا بما فيها ثم تنتهي وتتلاشى ولاشيء بعد ذلك! فهذا
نوع من العبث, وربنا الخالق سبحانه منزهٌ عن هذا.
6- الإيمان بالقدر.
وذلك بأن يُعتقد أن كل ما في هذا الكون من حركة أو سكون فهو بعلم
الله وإرادته, فلا يقع إلا ما يريده, ومالا يريده فلا يقع, وقد كتب الله سبحانه في
كتاب عظيم هو (اللوح المحفوظ) كل ما سيقع في هذا الكون.
كما يتضمن الإيمان بالقدر اعتقاد أن الله خالق كل شيء.
أما الأمور الخمسة العملية الأهم في الإسلام فهي:
1- أن يقول الإنسان جملة هي
مفتاح الدخول في الإسلام, وهي عهد بين الإنسان وربه أنه على هذا الدين, وهذه
الجملة هي: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
وهي تعني: الإقرار والاعتراف والالتزام بأداء العبادة لله وحده,
والإقرار بأن دين الإسلام هو الدين الحق وأن الإله الذي يستحق العبادة هو الله
وحده, وما سواه من المعبودات فباطل, وما سوى الإسلام من الأديان فهو باطل.
وكذلك الإقرار بأن محمداً رسول الله, وأنه يطاع ويُصدّق في كل ما
يقوله.
2- الصلاة.
وهي أقوال وأفعال ودعوات بهيئة معينة, تُفعل خمس مرات كل يوم, ولا
تستغرق وقتاً طويلاً, بل لا تستغرق الصلاة الواحدة إلا نحو خمس دقائق.
إن الصلاة صلة بين العبد وربه, وتشعر المسلم بالثقة والطمأنينة
والراحة النفسية.
3- الزكاة.
وهي أن يدفع المسلم صاحب الأموال مبلغاً يسيراً من ماله كل عام
للفقراء, هو ربع العُشر (اثنان ونصف في المائة) فقط من ماله, وهو مبلغ يسير, لكنه
يجعل المجتمع المسلم مجتمعاً متآلفاً متراحماً, تشيع معاني الأخوة والعطف والمحبة
بين أهله.
وأكرر ما ذكرته سابقاً: الزكاة إنما تلزم الأغنياء, وأما الفقراء فلا
تلزمهم.
4- الصيام
والمقصود به أن يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب والمعاشرة الزوجية
خلال شهر رمضان كل عام ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
ويُعفى عن المريض والمسافر وبعض أصحاب الأعذار الأخرى؛ فلهم أن
يأكلوا ويشربوا في رمضان, وعليهم أن يصوموا بدلاً عن ذلك بعد انتهاء العذر بقدر
الأيام التي لم يصوموها في أي وقت من العام.
إن للصوم فوائد صحية ونفسية واجتماعية كثيرة, منها: إراحة الجهاز
الهضمي بعض الوقت, ومنها شعور المسلم بالسمو الروحي والاعتدال الخُلقي, ومنها
شعوره بغيره من إخوانه الفقراء الذين لا يجدون ما يكفيهم من الطعام طوال العام؛
فتتواضع نفسه وتبادر بتقديم المساعدة لهم.
5- الحج.
وهو عبارة عن أداء عبادات معينة في (مكة)، وهو واجب مرة واحدة في
العمر, ومن لا يجد النفقة أو كان مريضاً فإنه يُعذر في تركه.
وفي الحج فوائد عظيمة, منها: اجتماع المسلمين من أطراف الأرض في مكان
واحد وتعارفهم وإشاعة المحبة بينهم, هذا عدا ما يكسبه المسلم في نفسه من صفاء
النفس وتهذيب الخلق بسبب ما يعيشه من أجواء إيمانية في ظلال الحج.
وبعد ..
فلعل ما سبق من الحديث يكون كافياً في توضيح صورة مختصرة عن الإسلام.
وإنني أدعوك يا من لم تدخل بعد في الإسلام .. اسمع نداءً من قلب صادق
مشفق: أدرك نفسك قبل أن يفجأك الموت فتموت على غير الإسلام فتكون الخسارة الكبرى.
تدري ماذا يعني موتك على غير الإسلام؟ إنه يعني دخولك (جهنم) وتعذيبك
فيها أبداً إلى ما لا نهاية .. هكذا توعد الله كل من مات على غير الإسلام, فلماذا
تُغامر في قضية خطيرة كهذه؟
سأسألك سؤالاً أجب عنه بصدق: ما الذي ستخسره إن دخلت في الإسلام؟ نعم
.. ماذا ستخسر بدخولك في الإسلام؟
إنك إن اعتنقت الإسلام ستمارس حياتك الاعتيادية, لكن بصورة أكثر
صفاءً وسعادة وانتظاماً .. وبعد الموت تنتظرك السعادة الكبرى والنعيم الأبدي.
إذا كنت وصلت إلى قناعة بصحة الإسلام, لكن تخشى أن دخولك فيه
يمنعك من لذات لا تستطيع الاستغناء عنها, فعليك بالمقارنة بين اللذة الوقتية
الطارئة, والنعيم واللذة الأبدية .. فأيهما أولى بالتقديم؟
ثم إنك يمكن أن تدخل في الإسلام وتحاول تركها تدريجياً, وإذا دعوت
الله بصدق فسوف يعينك على تركها.
وعلى أسوأ الأحوال: لو بقيت عليها بعد دخولك في الإسلام فستكون
مسلماً مخطئاً أو مقصراً، وهذا خيرٌ من أن لا تكون مسلماً.
أما إذا كانت العقبة أمام اعتناقك هذا الدين هي ضعف شخصيتك وعدم
قدرتك على اتخاذ القرار, أو خوفك من كلام أحد أو سخريته .. فاعلم أن هذه توهمات لا
حقيقة لها, ولست أول من يدخل الإسلام من غير المسلمين, كثيرٌ غيرك اتخذوا هذا
القرار ولم تتحطم حياتهم ولم يخسروا شيئاً ولم يندموا, ثم هل يُعقل أن تُضحي بنفسك
وبسعادتها الدنيوية والأخروية من أجل كلام أحد أو سخريته أو عتابه؟
إن هذا الموضوع جديرٌ بأن تقف عنده كثيراً.. وأن تتأمله
طويلاً.
كلمتي الأخيرة لك: إياك أن تخسر نفسك.
أسأل الله تعالى أن يَمُنَّ عليك بالهداية للحق.
كتب هذه الكلمات: من يحب لك الخير
د. صالح بن عبد العزيز.