أوَّلُها: أنَّ عمل المولد محدَثٌ لم يقع في عهد الصَّحابة رضي الله عنهم ولا الَّذين يلونهم ولا الَّذين يلونهم، فانخرمت القرونُ الفاضلة ولم يقع فيها الاحتفالُ بميلاد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإذا عُلِم أنَّه محدَثٌ فهو بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة كما صحَّت بذلك الأخبارُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .
والدَّليلُ الثَّاني: أنَّ أهل العِلْم رحمهم الله تعالى مختلفون في تحديد يوم مولد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على أقوالٍ عدَّة:
فمنهم من زعم أنَّه في الثَّامن من ربيعٍ الأوَّل.
ومنهم من قال: بل وُلد في اليوم العاشر.
ومنهم قال: بل وُلد في اليوم الثَّاني عشر.
ومنهم من قال: بل وُلد في اليوم الثَّامن عشر.
ومنهم من ذكر أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يولد أصلا في ربيعٍ الأوَّل؛ بل وُلد في رجب.
واختلافهم رحمهم الله تعالى في تحديد مولد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُفضِي إلى عدم صحَّة تعيين اليوم الثَّاني عشر بالاحتفال بميلاد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ أهل العلم لم يُجمعوا على أنَّ ميلاده صلى الله عليه وسلم كان في ذلك اليوم، وقد حاول صاحب إربل أن يَحُلَّ هٰذا الإشكال، فكان يحتفل سنة في اليوم الثَّامن، ويحتفل سنة أخرى في اليوم الثَّاني عشر إلَّا أنَّ أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى في يوم مولد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أكثر من هٰذا، فكان ينبغي عليه أن يُعدِّد الاحتفال بعدد الأقوال، وهٰذا فعلٌ باطلٌ لا ريب؛ لأنَّ المَجزُومَ به أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم تتعدَّد ولادته؛ بل وُلد صلى الله عليه وسلم في يوم واحدٍ هو إمَّا الثَّامن أو العاشر أو الثَّاني عشر على الأقوال المذكورة عند أهل العلم رحمهم الله تعالى في تحديد يوم ميلاد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
والدَّليلُ الثَّالث: أنَّ مِمَّا اتَّفق عليه أهل العلم رحمهم الله تعالى أنَّ وفاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كانت في الثَّاني عشر من ربيعٍ الأوَّل، فلو سُلِّم عملُ يومٍ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لكان عمل يومٍ يُحزن فيه على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى من عمل يومٍ يُفرح به؛ لأنَّ اليوم الذي ولد فيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم واتَّخذ فرحًا قد تعدَّدت الأقوال فيه، أمَّا اليوم الذي مات فيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقد جُزم بأنَّه اليوم الثَّاني عشر من ربيعٍ الأوَّل، ولو سُلِّم بأنَّ ميلاد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان في الثَّاني عشر من ربيع الأوَّل فإنَّه ينبغي أن يجعل هؤلاء احتفالهم مقسومًا إلى فرحٍ وحُزْنٍ فيفرحون أوَّل وقتِهم بميلاد النَّبيِّ في الثَّاني عشر، ويحزنون في آخر يومهم، على وفاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الثَّاني عشر إلَّا أنَّ كُلَّ ذلك محدثٌ بدعة، ولا يستغرب إنسانٌ أن يوجد هٰذا بالجمع بين الفرح والحزن فإنَّ البدعة تولِّد البدعة، وإنَّ البدعة تبدو صغيرة حتى تعود كبيرة كما ذكر البربهاري في «شرح السُّنَّة».
من شرح شيخنا على رسالة في حكم المولد للعلامة الشوكاني رحمه الله
انتقاء أبي عمر الدغيلبي .