●| 📖 حلاوة العلم ولذته 📖:
1- حلاوة العلم يطيب معها العيش:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
(لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لحقت بالله: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب ساجدا، أو أجالس قوما يلتقطون طيب الكلام كما يلتقط طيب الثمر)، [أخرجه ابن أبي شيبة (214/4) وغيره].
وقد نقل شيخ الإسلام إجماع الأمة على أن هذه الثلاث هي أفضل الأعمال، [منهاج السنة 75/6].
2- حلاوة العلم ولذته تفوق كل لذة:
يقول ابن الجوزي رحمه الله:
(والله ما أعرف من عاش رفيع القدر بالغا من اللذات ما لم يبلغ غيره إلا العلماء المخلصين؛ كالحسن وأحمد وسفيان...فإن لذة العلم تزيد على كل لذة)، [صيد الخاطر، ص: 197].
3- حلاوة مذاكرة العلم أطيب من حلاوة الرئاسة:
يقول العلامة ابن فارس رحمه الله: (سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة سليمان بن أحمد الطبراني، وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد، حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه)، [سير أعلام النبلاء 124/16].
4- أهل الحديث خير الناس بنبذهم الدنيا لتحصيل لذة العلم:
روى الخطيب عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري رحمه الله أنه قال:
(إن أصحاب الحديث خير الناس، وكيف لا يكونون كذلك، وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة، واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم المداد ... فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تَعَلُّمُ السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم)، [الرحلة إلى طلب الحديث ص: 221].
5- من حصل لذة العلم لم يفته شيء من لذات الدنيا:
يقول ابن الجوزي رحمه الله:
(فأما من أنفق عصر الشباب في العلم فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جنى ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، وما يرى ما يفقد من لذات البدن شيئا بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم...ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل؛ لأجل ما أطلب و أرجو، كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم)، [صيد الخاطر، ص: 165-164].
6- مثال رائق لمن حصل لذة العلم:
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (وأعرف من أصابه مرض من صداع وحمى وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غلب وضعه، فدخل عليه الطبيب يوما وهو كذلك فقال: إن هذا لا يحل لك فإنك تعين على نفسك، وتكون سببا لفوات مطلوبك!
وحدثني شيخنا [ابن تيمية] قال: ابتدأني مرض، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض.
فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك؛ أليست النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة فدفعت المرض؟
فقال: بلى.
فقلت له: فإن نفسي تسر بالعلم فتقوى به الطبيعة، فأجد راحة.
فقال: هذا خارج عن علاجنا -أو كما قال-)، [روضة المحبين ص: 87].
7- من أسباب تحصيل لذة العلم:
أ- أن يكون العلم متعلقا بالله عز وجل:
يقول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: (ولا ريب أن لذة العلم أعظم اللذات، واللذة التي تبقى بعد الموت وتنفع في الآخرة هي لذة العلم بالله والعمل له، وهو الإيمان به)، [مجموع الفتاوى 162/14].
ويقول أبو حامد الغزالي:
(ثم ليست لذة العلم بالحراثة والخياطة كلذة العلم بسياسة الملك وتدبير الخلق، ولا لذة العلم بالنحو والشعر كلذة العلم بالله تعالى وصفاته وملائكته، وملكوت السموات والأرض، بل لذة العلم على قدر شرف العلم، وشرف العلم بقدر شرف المعلوم)، [الإحياء ٣٠٨/4].
ب- أن يكون موروثا عن السلف:
ولهذا عد الإمام ابن القيم رحمه الله هذا النوع من العلم من أسباب انشراح الصدر؛ فقال:
(ومنها: العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، فكلما اتَّسع علمُ العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم، بل للعلم الموروث عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً)، [زاد المعاد 23/2].
ت- العمل بالعلم:
يقول سهل بن عبد الله التستري رحمه الله:
(العلم أحد لذات الدنيا، فإذا عمل به صار للآخرة)، [اقتضاء العلم العمل، ص: 29].
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله:
(وأي لذة ونعيم الدنيا أطيب من بر القلب، وسلامة الصدور، ومعرفة الرب تعالى، ومحبته، والعمل على موافقته ؟ وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم ؟)، [الداء والدواء، ص: 239].
8- وأختم بلطيفة ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله، وهي أن لذة العلم دليل على شرفه، فيقول:
(إن فضيلة الشيء وشرفه يظهر:
تارة من عموم منفعته.
وتارة من شدة الحاجة اليه، وعدم الاستغناء.
عن وتارة من ظهور النقص والشر بفقده. وتارة من حصول اللذة والسرور والبهجة بوجوده؛ لكونه محبوبا ملائما، فإدراكه يعقب غاية اللذة.
وتارة من كمال الثمرة المترتبة عليه، وشرف علته الغائية، وإفضاله إلى اجل المطالب.
وهذه الوجوه ونحوها تنشأ وتظهر من متعلقه ؛ فإذا كان في نفسه كمالا وشرفا بقطع النظر عن متعلقاته؛ جمع جهات الشرف والفضل في نفسه ومتعلقاته. ومعلوم أن هذه الجهات بأسرها حاصلة [للعلم]؛ فإنه أعم شيء نفعا، وأكثره وأدومه، والحاجة اليه فوق الحاجة إلى الغذاء، بل فوق الحاجة إلى التنفس؛ إذ غاية ما يتصور من فقدهما فقد حياة الجسم، وأما فقد العلم ففيه فقد حياة القلب والروح، فلا غنى للعبد عنه طرفة عين، ولهذا إذا فقد من الشخص كان شرا من الحمير، بل كان شرا من الدواب عند الله، ولا شيء انقص منه حينئذ، وأما حصول اللذة والبهجة بوجوده؛ فلأنه كمال في نفسه، وهو ملائم غاية الملاءمة للنفوس؛ فان الجهل مرض ونقص، وهو في غاية الإيذاء والإيلام للنفس، ومن لم يشعر بهذه الملاءمة والمنافرة فهو لفقد حسه ونفسه، وما لجرح ميت إيلام، فحصوله للنفس إدراك منها لغاية محبوبها، واتصال به، وذلك غاية لذتها وفرحتها، وهذا بحسب المعلوم في نفسه، ومحبة النفس له، ولذتها بقربه...)، [مفتاح دار السعادة 139/1، وما بعدها].
أخوكم: أمير بن أحمد قروي.
[ملاحظة: استفدت في هذا المقال من كتاب أخي الحبيب د. أحمد جالو وفقه الله (حلاوة الإيمان ص: 274-266)].
ومنكم جميعاً أستفيد،،،