[ من شرط الجهاد >> إذن الإمام ]
<< الأدلة عليه >>
- { وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر مِنهم لعلمه الذين يستنبطونه مِنهم ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته لاتبعتمُ الشيطانَ إلا قليلاً } فالمسائل العظيمة التي تحل بالأمة – ومنها الجهاد – يكون القول الفصل فيها لأولي الأمر ، ليس لكل أحد أو أي أحد .
ثانياً : قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } فالإمام هو الذي يأمر بالجهاد و هو الذي ينادي إليه بالنفير و المسلمون هم المُستَنفرون المخاطبون بإذن الإمام و قوله .
- قال صلى الله عليه وسلم : " إنَّما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله تعالى وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه " متفق عليه.
- فهذا خبر بِمعنَى الأمر وهو نص فِي المسألة، قال النووي: "الإمام جنة": أي كالستر؛ لأنه يَمنع العدو من أذى المسلمين، ويَمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس، ويخافون سطوته، ومعنَى يقاتل من ورائه: أي يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم .
- وقال ابن حجر: "لأنه يَمنع العدو من أذى المسلمين، ويكف أذى بعضهم عن بعض، والمراد بالإمام: كل قائم بأمور الناس"
- قال صلى الله عليه وسلم { إذا استُنفِرتم فانفروا } متفق عليه .
فالقيام بالجهاد يكون بعد الاستنفار وهذا يصدر من ولي الأمر ، قال النووي : ( معناه: إذا دعاكم السلطان إلى غزوٍ فاذهبوا )
[ شرح مسلم 9/12 ] .
-قال صلى الله عليه وسلم :
"الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله و أطاع الإمام و أنفق الكريمة و اجتنب الفساد ؛ فإن نومه وتنبهه أجر كله ، وأما من غزا فخراً ورياءً وسمعة وعصى الإمام و أفسد في الأرض ؛ فإنه لا يرجع بكفاف "
السلسلة الصحيحة (1990) .
وجه الدلالة أنه اشترط طاعة الإمام في الجهاد و حرم معصيته .
-في حديث حذيفة بن اليمان قال: قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركنِي ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. فقلت: فإن لَم تكن لَهُم جماعة ولا إمام. قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتَّى يأتيك الموت وأنت على ذلك ". متفق عليه
وجه الدلالة: أنه مأمور بالتزام جماعة المسلمين وإمامهم وألاَّ يفارقهم.
<< هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم >>
- هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه فلا يعرف أنه جاهد أحدا من أصحابه ممن كانوا تحت إمرته بدون إذنه و علمه ولأجل ذلك جاء الخطاب الرباني في التحريض على الجهاد للنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو ولي الأمر في ذلك الحين فقال تعالى : { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } ومثال ذلك :
- قوله تعالى : { عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين }
- و قوله تعالى : { فإن رجعك الله إلى طآئفة منهم فاستئذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً } فأمر الجهاد كان منوطاً بإذن النبي صلى الله عليه وسلم .
- و قوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله و رسوله و إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه } والأمر الجامع هو الذي يجمع له كالجهاد في سبيل الله .
- <<هو هدي الصحابة رضي الله عنهم>> فقد كانوا يستأذنون إمامهم – وهو النبي صلى الله عليه وسلم – في الخروج للجهاد :
- فهذه عائشة تقول استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد ، فقال : { جهادكن الحج } [ رواه البخاري ] ،
- وهذا ابن عمر رضي الله عنه يقول عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشر فلم يجزني [ رواه البخاري ]
- من الأدلة > قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فهذه القاعدة دليل على تعليق أمر الجهاد بولي الأمر وإلا لصار الأمر فوضى، ولتنازع الناس فيما بينهم، بل لعل بعضهم يقتل بعضًا، فهذا لا يرى الجهاد مناسبًا، والآخر يقاتله لتصوره أنه ينكر شرعيته، وآخرون يقاتلون طائفة مسلمة ابتداء لظنهم كفرهم وهكذا ...
- إن كان إذن الوالدين مطلوباً في الجهاد فإن إذن ولي الأمر أولى و أحرى .
- << من كلام العلماء >>
- قال الحسن البصري : [ أربع من أمر الإسلام إلى السلطان : الحكم و الفيء و الجهاد و الجمعة ] ( مسائل الإمام أحمد رواية حرب الكرماني 392 ]
- قال أحمد بن حنبل رحمه الله: "والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة – البر والفاجر – لا يترك"
-قال عبدالله بن الإمام أحمد: سمعتُ أبي يقول:
(إذا أذن الإمامُ, القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا.
قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟
قال: لا، إلا أن يأذن الإمام، إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين
[مسائل عبدالله لأبيه (2/258)]
- قال أبو جعفر الطحاوي : "والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برِّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء و لا ينقضهما"اهـ
- قال ابن تيمية : [ ويرون - يعني أهل السنة - إقامة الحج و الجهاد و الجمع مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً ] [ مجموع الفتاوى 3/15] و حكى مثل قول ابن تيمية الإمام الطحاوي وابن المديني و أبو زرعة وأبو حاتم الرازيين و الإمام أحمد بن حنبل وغيرهم كثير لا يحصون .
- وقال أيضاً : [ الجهاد لا يقوم به إلا ولاة الأمور ] [ منهاج السنة 6:11 ]
- قال القرطبي : [ لا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسساً لهم عضداً من ورائهم وربما احتاجوا إلى درئه ] ( الجامع لأحكام القرآن 5/177)
- قال ابن قدامة : [ أمر الجهاد موكول للإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك ] ( المغني 16:13 )
- وقال أيضاً : [ لا يخرجون إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يرجع إلى رأيه، لأنه أحوط للمسلمين؛ إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليه ] ( المغني 9/213)
- قال البهوتي : [ لا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير ؛ لأنه أعرف بالحرب و أمره موكول إليه ] ( كشف القناع 3:72)
-وقال: "ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير لأنه أعرف بالحرب وأمره موكول إليه، ولأنه إن لَم تجز المبارزة إلا بإذنه فالغزو أولى".
- كتب الشيخ سعد بن حمد بن عتيق -رحمه الله- إلى الإخوان من أهل الأرطاوية والغطغط وغيرهم من عتيبة ومطير وقحطان وغيرهم: ومِمَّا انتحله بعض هؤلاء الجهلة المغرورين الاستخفاف بولاية المسلمين والتساهل بِمخالفة إمام المسلمين، والخروج عن طاعته، والافتيات عليه بالغزو وغيره، وهذا من الجهل والسعي فِي الأرض بالفساد بِمكان، يعرف ذلك كل ذي عقل وإيْمان، وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وإن الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين من أعظم أسباب الفساد فِي البلاد والعباد والعدول عن سبيل الهدى والرشاد" .
- قال الشيخ عمر بن محمد بن سليم فِي رسالة كتبها إلى الإخوان من أهل الأرطاوية: ولا يجوز الافتيات عليه بالغزو وغيره وعقد الذمة والمعاهدة إلا بإذنه، فإنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، فإن الخروج عن طاعة ولي الأمر من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد" .
- أرسل المشايخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن، وحسن بن حسين، وسعد بن حمد بن عتيق، ومحمد بن عبد اللطيف، إلى جناب عالي الجناب، الإمام المفخم، والرئيس المكرم. عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل فيصل رسالة جاء فيها :
[ ورأينا أمرا يوجب الخلل على أهل الإسلام، ودخول التفرق في دولتهم، وهو الاستبداد من دون إمامهم، بزعمهم أنه بنية الجهاد، ولم يعلموا أن حقيقة الجهاد ومصالحة العدو، وبذل الذمة للعامة، وإقامة الحدود، أنها مختصة بالإمام، ومتعلقة به، ولا لأحد من الرعية دخل في ذلك إلا بولايته ؛ وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الجهاد، فأخبر بشروطه بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أنفق الكريمة، وأطاع الإمام، وياسر الشريك، فهو المجاهد في سبيل الله ".
والذي يعقد له راية، ويمضي في أمر من دون إذن الإمام ونيابته، فلا هو من أهل الجهاد في سبيل الله ] الدرر السنية (9/95)
- قال الشيخ ابن عثيمين :
" لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر ؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس , فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد , فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع ، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم , لتعين القتال إذًا
وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام , فالغزو بلا إذنه افتيات عليه , وتعد على حدوده , ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى , كل من شاء ركب فرسه وغزا , ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة , فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام , أو يريدون البغي على طائفة من الناس , كما قال الله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) الحجرات/9 ، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها – أيضاً – لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام "
" الشرح الممتع " ( 8 / 22 ) .
- قال الشيخ صالح الفوزان : [ الذي يأمر بالقتال وينظم القتال إمام المسلمين ، من صلاحيات الإمام إقامة الجهاد و تنظيم الجيوش وتنظيم السرايا يقودها بنفسه أو يؤمر عليها من يقودها فالجهاد من صلاحيات الإمام ولا يجوز للمسلمين أن يقاتلوا بدون إذن الإمام ] ( الجهاد وضوابطة 32)
- قال علماء اللجنة الدائمة :
" الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه ، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين ، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك ، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله ، راجياً نصرة الحق ، وحماية الإسلام ، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر : فهو آثم " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 12 ) .
ما تقدم هو في جهاد الطلب ، أما جهاد الدفع فإذا تعذر أخذ إذن الإمام لضيق الوقت وفجأهم العدو في مكانهم فلا يشترط له إذن الإمام .
أما لو أمكن استئذانه لكان إذنه متعينًا ،
"فعدم اشتراط إذن الإمام في جهاد الدفع إنما هو إذا فاجأ العدو أهل البلد؛ فتعذر عليهم الرجوع إليه لدفع العدو، أمّا إذا لم يتعذر فالأصل الرجوع إلى الإمام، والجهاد معه، والقتال من ورائه، كما فعل المسلمون لمّا حاربهم المشركون في معركة الخندق.
قال عبدالله بن الإمام أحمد: سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ, القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا.
قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟
قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين" مسائل عبدالله لأبيه (2/258).
ونصَّ على ذلك ابن قدامة رحمه الله في المغني فقال: "... إذا جاء العدو، صار الجهاد عليهم فرض عين، فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير، لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه، لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم، والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم".
- " تنبيه : الدفاع عن بلد آخر غير بلدنا > لا يسمى جهاد دفع، وإنما جهاد نصرة، ونصرة المسلم للمسلم واجبة إن لم يكن هناك مانع منها، ومن الموانع وجود عهدٍ بين المسلمين والكفار لقوله تعالى: ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينصر أبا بصير وأصحابه، مع حاجتهم للنصرة، لوجود عهدٍ بينه وبين قريش وهو صلح الحديبية، ولم ينصره أحدٌ من الصحابة الذين كانوا تحت إمرة النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن جهاد النصرة لا يكون إلا بعد زوال الموانع، وأنه يُشترط فيه إذن ولي الأمر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق