الأربعاء، 29 يونيو 2016

إعانة عموم المسلمين على كشف شبهات الزائغين (عدنان إبراهيم وسيلفي أنموذجا) [الجزء الثاني]


إعانة عموم المسلمين على كشف شبهات الزائغين 
(عدنان إبراهيم وسيلفي أنموذجا) 
[الجزء الثاني]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين                                                       أما بعد
فإكمالا لما تقدم من قواعد تعين عموم المسلمين على كشف شبهات الزائغين، أذكر أربع قواعد :
القاعدة الأولى: الخلاف ليس دليلا شرعيا ، فلا تحتج به .
والظاهرة المشاهدة في ذلك أن بعض الناس إذا عرضتَ له مسألة وذكرت دليلا عليها، عارض الدليل وعارضك بقوله : فيها خلاف !
فيقال: ثم ماذا ؟ وهل ترد الأدلة لأجل الخلاف ؟
والاحتجاج بالخلاف غلط في الشرع، وغلط في العقل .
فأما في الشرع فالله جل وعلا أمرنا عند الاختلاف أن نتحاكم إلى الكتاب والسنة، قال تعالى (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)، وقال سبحانه (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) .
وقد أجمع العلماء على حرمة جعل الخلاف دليلا، يقول ابن عبد البر رحمه الله :  ( الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة ) ، ثم إن هذا القول يلزم منه لازم، وهو كما يقول شيخ الإسلام (أن لا يكون حراما إلا ما أُجمع على تحريمه، فكل ما اختُلف في تحريمه يكون حلالا، وهذا مخالف لإجماع الأمة، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام ).
ونقل ابن حزم الاتفاق على تفسيق من فعل هذه الطريقة تجاه الأدلة الشرعية ، فقال: (ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط، ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص، لكان فاسقا بإجماع الأمة ).
وأما في العقل فبيان غلط هذه الطريقة فمن وجهين :
١- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد كمل الدين، والخلافات إنما حصلت بعده، فكيف تكون دليلا وحجة في الدين وهي حادثة متأخرة ؟
٢- أنها قضية يلزم منها الدور ، فمن رد دليلا بحجة وجود خلاف ، قيل له: رد الدليل لوجود الخلاف قضية فيها خلاف، فلا تُلزم بها، وإلا كنت متناقضا عقلا ، فمرة لا تقبل شيئا لوجود الخلاف، ومرة تلزم بشيء مع وجود الخلاف !!!
هذا على سبيل التنزل، وإلا فقد سبق أن الخلاف ليس دليلا بالإجماع .

وهذه الطريقة أضرت كثيرين، فحملتهم على رد الحق أو التواني في القيام به، فهناك من سمع المحرم كالموسيقى بحجة وجود الخلاف، وهناك من تهاون في صلاة الجماعة للسبب نفسه، بل وُجد من ترك الصلاة عمود الدين لأن بعض العلماء قال: (إن من تركها كسلا لا يكفر)، ولا يدري المسكين أن القائلين بذلك يقولون: إن تاركها كسلا قد فعل ما هو أعظم من الزنى والسرقة والقتل، وأنه متعرض لسخط الله وعقابه في الدنيا والآخرة وإن لم يكفر ، هذا مع أن المسلم يكبر على قلبه أن يصير على حال يختلف العلماء في إسلامه وكفره ، فكيف إذا مات ثم ظهر أن القائل بتكفير تارك الصلاة هو المصيب .
إذا تقرر لك معنى القاعدة : فاحذر إذا سمعت شبهة أن تدخل على قلبك بمجرد ذكر الخلاف فيها ، أو لأجل نسبتها إلى عالم أيا كان منزلته، بل الواجب طلب الدليل الشرعي من المتكلم ، فإن لم يأت به فلا عبرة بقوله ، وإن جاء به فلا يخلو حالك من أمرين : إما أن تكون عالما بطرق الترجيح المعروفة ، فلك اختيار أقرب الدليلين للشرع .
وإما أن تكون عاميا لا تحسن الترجيح بين الأقوال المختلفة، فالواجب عليك عندها أن تقلد الأعلم والأوثق ، ولا يكلفك الله فوق هذا .
وأكثر الناس هم من أصحاب الحالة الثانية كما لا يخفى .
وإن أردت أن تعرف مقدار الخطر الذي يكون عند إهمال ما تقدم ، فانظر إلى حال الخوارج المارقين ، فأغلبهم صغار جهلة لا يعرفون طرائق الترجيح ولا يحسنونها، سمعوا أدلة متشابهة من دعاة سوء فظنوا أنها الحق، فأوردوا أنفسهم المهالك، ولو أن الواحد منهم عرف قدر نفسه، واكتفى بتقليد الأوثق والأعلم في هذه الأعصار ، كالعلماء ابن باز وابن عثيمين مثلا، لما وقع في هذه الموبقات .

وكذلك كثير من أتباع عدنان إبراهيم تبعوا كلامه ، مع أنهم لا يحسنون التمييز بين الأدلة، فصاروا إلى إنكار قطعيات من الدين ، حتى تجد أحدهم لم يقرأ كتابا كاملا في حياته، ويقول لك : (العلماء رجال، وأنا رجل) ، ويقول: (في البخاري أحاديث ضعيفة كثيرة)، وإذا سألته : هل في بيتك صحيح البخاري؟ أو هل قرأته مرة؟ أو هل تعرف عدد مجلداته؟ لقال: لا، لكني أعرف !
وهذا كمن يخطِّئ طبيبا أجمع الأطباء على إتقانه الصنعة ، ثم تقول له : وهل قرأت كتبه أو كتب غيره في الطب حتى توصلت إلى هذه النتيجة؟ فيقول لك : لا، لم أقرأ، ولكنني أعرف !!!
أعانك الله على بلائك، وجبر مصيبة أهلك فيك .
ويزداد الأمر سوءا وخطورة حين تعلم أن هؤلاء الذين يرون الخلاف قد سوغ لهم ترك الأدلة الشرعية إلى ما يهوون من الأقوال،  هم من المنكرين لمسألة الإجماع ، فلا يرون صحته في أي مسألة من الدين ، فعليه : لا توجد مسألة في الدين يصح الإلزام بها حتى لو دلت عليها عشرات النصوص ، بل إن عدنان إبراهيم صرح بأن خلاف الرافضة مانع من الحكم على مسألة أنها إجماعية، فعلى كلامه : لا يصح القول بأن العلماء أجمعوا على عدم جواز سب الصحابة، لأن الرافضة ترى سبهم .
ولا يصح القول بأن الأمة أجمعت على أن القرآن محفوظ غير محرف، لأن الرافضة أجمعوا على أنه محرف كما هو مسطر في كتبهم .
والعجيب أن عدنان إبراهيم ممن يزعم أنه يحارب فكر التكفير ، وينسبه إلى أهل السنة ظلما وبهتانا ، فيقال له: هذه مسألة غير إجماعية ، لأن أهل السنة يقولون بها كما تدعي ، فلا يصح لك الإلزام بها ، ويجب عليك احترام من اجتهد وكفّر المسلمين، واستباح دماءهم .
هذا أقوله لإلزامه بباطله ، وإلا فأهل السنة أبعد الناس عن تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم .

القاعدة الثانية: اضرب خصمك بأدلتك، ولا تكتف بمحاولة صد ضرباته عنك ، فقد سبق معنا في المقال السابق أن الشبهات لا تنتهي ولا حد لها ، وإبراز الشبهات على أي أمر كان ولو كان ضروريا لا يشك الإنسان فيه هو من الأمور السهلة ، فأنت حين قراءتك للمكتوب الآن لا تشك أنك تقرأ، وأستطيع أن أقول لك : أنت لا تقرأ حقيقة الآن ، وإنما أنت نائم ، وما تظنه واقعا إنما هو مجرد حلم ، وستستيقظ من نومك بعد قليل .
ألم يمرّ عليك يوم في عمرك، ورأيت في منامك شيئا أفرحك أو أفزعك ، وظننته حقيقة ، وتأثرت مع أحداثه، ثم فجأة استيقظت، واكتشفت أنه حلم ؟

بلى ، مر عليك هذا الموقف كثيرا ، أقول : وكذلك ما تقرأه الآن ، ربما يكون حلما يزول عن قريب !!!
أرأيت كيف أن الإتيان بالشبه على أمر ما من أسهل الأمور .
فإذا كان الأمر كذلك فإياك أن تكتفي برد الشبه الواردة دون أن تدلي بأدلتك وحجتك ، وهذه الطريقة ممكن تعريفها إن صح التعبير؛ بأن حقيقتها أن ينتقل السني من حال الدفاع إلى حال الهجوم ، والله يقول (بل نقدف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) .
ولنأخذ مثالا على شبهة يرددها عدنان إبراهيم كثيرا ، وهي زعمه أن اليهود والنصارى لا يلزمهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في شريعته في الصلاة والزكاة ونحوها من الشرائع، بل يكفيهم الإيمان بأنه رسول من عند الله ، ثم العمل بما عندهم في التوراة والإنجيل ، ويستدل على باطله بقوله تعالى (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، فيقول عدنان : الله أخبر أن اليهود والنصارى إذا ءامنوا بالله واليوم الآخر وعملوا الصالحات أنهم لا خوف عليهم، ولم يذكر اتباعهم لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
هذه شبهته ، ولنفرض أننا لا نعرف الجواب على الشبهة ، ولا معنى الآية ، لكن نريد تطبيق القاعدة ، وهي ما أسميناه بحالة الهجوم على الخصم، فنقول لعدنان : أجب على هذه الأسئلة :
ما معنى قوله تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)، أليس فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى جميع الناس حتى اليهود والنصارى ؟
فإن أجاب ولن يجيب، يقال له : ما معنى قوله تعالى(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) ؟
فإن تكلّف جوابا بعيدا، قيل له : ما معنى قوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) ، مَن هؤلاء الذين يجدونه عندهم في التوراة والإنجيل ؟ أليسوا هم اليهود والنصارى؟ ألم يذكر وجوب اتباعهم له ، وما هذه الآصار والأغلال التي وضعها عنهم؟ كيف نجمع بين كونهم لا يلزمهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في شريعته وبين هذه الآية ؟
فإن تعسف بالجواب، فيقال : وما معنى قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) أليس فيها أن الرسول إنما يرسل ليطيعه الناس، وليس الاكتفاء بأن يقروا أنه رسول الله ؟
وقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ما الرحمة التي أصابت اليهود والنصارى برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم لا تجب عليهم طاعته؟
وماذا نصنع بقوله صلى الله عليه وسلم (لو أن موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي) ؟ وقوله (والله لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لايؤمن بي وبما جئت به إلا كان من أصحاب النار)؟

حسنا: لنطلب من عدنان تفسير ما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن وقال له (إنك تأتي قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله أفترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) ، أليس في الحديث التصريح بفرض الصلاة والزكاة عليهم، وقد عبّر في الحديث أن الصدقة تؤخذ منهم ، فمن الذي يأخذها منهم ، أهم أحبارهم ورهبانهم ، أم يأخذها إمام المسلمين أو من ينيبه ؟
ثم ما معنى كون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة ، ورسالة غيره من الرسل خاصة ؟
فإذن : نحن الآن لما أعطينا الخصم بعض أدلتنا بان الضعف الشديد في دليله حتى لو لم نعرف الجواب الخاص عن دليله .
ثم لنتزل معه أكثر وأكثر ، ونقول سلّمنا لك بصحة قولك ودليلك ، لكن فيه إشكالات ، منها :
- أليس من العجب أن يمر على هذه الآية سائر العلماء والمفسرين من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا ، ثم لا يفهم واحد منهم الفهم الذي فهمته ؟
- في الآية قال الله (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله) فشرط الإيمان بالله .
لماذا جعلت الإيمان بالله المراد به فقط التصديق بالله ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس كما في الصحيحين (أتدرون ما الإيمان بالله وحده» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس» .
ألا يمكن أن يكون هذا هو الإيمان كما أجمع عليه أهل السنة ، فيدخل فيه جميع الأعمال الظاهرة والباطنة ؟
لنترك حتى هذا ، ونسلّم لكلامه ، نقول : الآن نريد تطبيق كلامك :
إذا رأيتُ نصرانيا أو يهوديا هل أدعوه إلى الدخول في الإسلام أو أدعوه لمجرد أن يقول محمد رسول صادق ؟
وإذا اختار الثانية ثم مات من وقته ، هل يجوز أن أصلي عليه ، وهل يصح دفنه في مقابر المسلمين ؟ وإذا تجرأ أحد ودفنه في مقابر الكافرين هل يكون آثما ؟
هل يصح أن يكون في الصباح يهوديا، ثم ينتقل الظهر إلى النصرانية ، ثم في العصر يكون مسلما ثم العشاء يرجع ويكون يهوديا ؟
إن صح فسلام على عقلك، وهو قول معلوم الفساد بإجماع أهل الأديان كلهم .

وإن لم يصح فيقال : لماذا لم يصح وهو مؤمن بالله واليوم الآخر ؟
ولو وُجد نصرانيان فاختار أحدهما الإسلام، واختار الآخر البقاء على النصرانية مع تصديقه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فما الدليل على جواز ترك الأول دينه، والدليل على جواز بقاء الثاني على دينه ؟
ثم مَن هم هؤلاء اليهود والنصارى الذين لا تلزمهم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، أهم سلالة بني إسرائيل فقط، أو يدخل فيهم سائر الشعوب ؟
فإن قيل : سائر الشعوب، فما الدليل على أنهم أهل كتاب، والأدلة تدل بوضوح أن موسى وعيسى عليهما السلام إنما بعثا إلى بني إسرائيل خاصة .
وإن قيل : بل المراد من هم من سلالة بني إسرائيل ، فيقال : وكيف نعرفهم الآن ، وقد اختلطت أنسابهم بغيرهم من الشعوب كما هو معروف في التاريخ .
وأخيرا : لو تجاوزنا هذه الإشكالات فكيف يعبد اليهودي والنصراني ربه ، وقد شهد القرآن والسنة والواقع أن كتبهم الموجودة اليوم التوراة والإنجيل قد حرفت وبدلت ؟
فهل يأخذون ما هو موجود في كتبهم اليوم من نسبة التعب إلى الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق ؟ وهل يأخذون بنسبة العظائم إلى الأنبياء ، إلى غير ذلك من القبائح والشنائع الموجودة فيها ؟

أخي الكريم : قد أكثرت من الإيرادات والأسئلة التي ربما أصابتك بالملل ، لكن ذلك كان مقصودا لتتبين أهمية القاعدة ، حتى أني أحسب أنك عرفت بطلان الشبهة مع أني لم أذكر جوابها المباشر وتفسير الآية الصحيح ، أليس كذلك ؟ بلى هو كذلك إن شاء الله .
فخذ هذه القاعدة، واعرف قدرها، وافعلها مع كل مبطل، فإنه لا يثبت أمامها ، ورحم الله شيخ الإسلام إذ يقول : (فالحق كالذهب الخالص، كلما امتُحن ازداد جودة، والباطل كالمغشوش المضيء، إذا امتُحن ظهر فساده.
فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر، وناظر عنه المناظر، ظهرت له البراهين، وقوي به اليقين، وازداد به إيمان المؤمنين، وأشرق نوره في صدور العالمين.
والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل، ورام أن يقيم عوده المائل، أقام الله تبارك وتعالى من يقذف بالحق على الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، وتبيّن أن صاحبه الأحمق كاذب مائق، وظهر فيه من القبح والفساد، والحلول والاتحاد، والتناقض والإلحاد، والكفر والضلال والجهل والمحال، ما يظهر به لعموم الرجال أن أهله من أضلِّ الضُلَّال) .

ولذلك ترى الذين يتابعون عدنان إبراهيم ومن على شاكلته ينتهي بهم الحال حتى يخرجوا من الدين بالكلية، وهذا أمر مشاهد وواقع ، وذلك لأنهم يأخذون منه أصولا باطلة في نفسها ، فتَرِدُ عليها أسئلة من أنفسهم أو غيرهم، فلا يجدون جوابا لها ، ويبقى الشك وعدم اليقين في قلوبهم، فيهربون منه إلى الإلحاد والكفر ، وإنما لا يرجعون إلى الإسلام ، لأن الأصول الباطلة التي تشرّبوها تمنعهم من ذلك .
وحتى لا ننسى فإن الجواب المباشر للآية التي استدل بها المبطل هو أن المراد بها: أي اليهود والنصارى الذين كانوا على دين صحيح، ثم ماتوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهـؤلاء هم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وأما من كان من اليهود والنصارى بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يُقبل من أحد منهم دينا حتى يتبع النبي صلى الله عليه وسلم وشريعة الإسلام .
ذكر هذا المفسرون في كتبهم ، فارجع إلى أي كتاب تفسير شئت .

القاعدة الثالثة:  الحق واحد في نفسه، والمطلوب فيه اليقين والجزم بأنه هو الحق ، قال تعالى (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) (يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (ذلك الكتاب لا ريب فيه) ، والأدلة في ذلك كثيرة .
فمن أصول الضلال القول بأن الحقيقة نسبية لا يصح لأحد أن يدعيها ، وبهذا الأصل دخلت الشبهات على كثير من أبناء المسلمين ، فتجد من يعظّم اليهودي والنصراني والبوذي بحجة أنه قد يكون الحق معه، فلا يُجزم بباطله ، ثم يُتْبِعون ذلك بعبارتهم الوقحة: (الرأي والرأي الآخر) ، وحقيقتها: الهوى والهوى الآخر ، وفي بعض الأحيان والكفر الآخر .
مع أن هؤلاء يحترمون كل الآراء حتى من عبد البقر ، وتضيق صدورهم عند المناداة بتطبيق الشريعة .
ألا يجعلونه مجرد رأي يجب احترامه ؟!
وحسبك دليلا على بطلان هذا الأصل أن تعلم أن جميع الرسل دعوا أقوامهم إلى شيء واحد، وهو ما جاءوا به من الحق، وأمروا الناس بتصديقه والعمل به ، ثم الدعوة إليه ، ولم يأت رسول قط بتخيير الناس فيما يعتقدون .
وليس هذا الجزم خاصا بالرسل ، بل حتى لأتباعهم ، ولذلك أُمِر الأتباع بالدعوة إلى الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

القاعدة الرابعة: القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، فإياك والسماع للباطل ، أو التساهل فيه ، وما دمت على يقين من دينك، فلا يضرك جهلك بضلال غيرك ، والسلامة لا يعدلها شيء .
قال الذهبي في كتابه السير عند ترجمة الراوندي بعد ذكره لزندقته: (وكان يلازم الرافضة والملاحدة، فإذا عوتب، قال: إنما أريد أن أعرف أقوالهم.
ثم إنه كاشف وناظر، وأبرز الشبه والشكوك).
ونقل عن ابن عقيل قوله : (وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علما نافعا) . ثم علق الذهبي فقال : (كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزلة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم، وتجسر على تأويل النصوص - نسأل الله السلامة -) .
وقد أجمع السلف على وجوب صيانة القلوب والأسماع عن الشبه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (من سمع منكم بالدجال , فلينأ عنه ، فإن الرجل يأتيه , وهو يرى أنه كاذب , فيتبعه لما يرى من الشبهات) ، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) .
وقد يكون صاحب الباطل ذا هيئة حسنة ، مع فصاحة وحلاوة منطق ، فيغتر به الجهال ، والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) قال ابن كثير في تفسيره: (أي: كانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة، إذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم) .
فالحذر الحذر ، والفرار الفرار ، والسعيد من اتعظ بغيره ، فكم ممن ضلّ، وفارق اليقين قلبه،  بكلمة سمعها، أو عبارة قرأها ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : (ومن كان عليما بهذه الأمور: تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه، وذموا أهله وعابوهم، وعلم أن من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله إلا بعدا)  .
أسأل الله أن يجنبني وإياك الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجعل لنا من أمرنا رشدا .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

وكتبه: ناصر بن غازي الرحيلي .
المحاضر في قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية .


للاطلاع على الجزء الأول من المقال، انظر هنا: http://goo.gl/dCw3ff .

وللتواصل مع الكاتب : abod-nasser@hotmail.com

الأحد، 26 يونيو 2016

تحري ليلة القدر

| تنبيه مهم يتعلق بتحري ليلة القدر |

وهو أن السُنة قد دلت على التماسها في العشر الأواخر من رمضان، وفي الأوتار منها لكن الأوتار يحتمل أن تُحسب إذا عُدت الليالي من أولها
ويحتمل أنها الأوتار إذا عُدت الليالي من آخرها.

كما في البخاري: (التمسوها في العشر الأواخر؛ في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)

وهذا ما بينه أبو سعيد رضي الله عنه كما في صحيح مسلم وبهذا الاعتبار فإذا كان الشهر ناقصا كان الحساب بالباقي كالحساب بالماضي
وإذا كان كاملا فهذه الليلة تكون في ليالي الأشفاع-باعتبار أول الشهر!

فمثلا: إذا كانت ليلة القدر في هذه السنة هي الليلة السابعة مما يبقى -وكان الشهر كاملا- فهي إذن ليلة أربع وعشرين!

وعليه فلا بد من الاجتهاد في العشر جميعها حتى يصيبها المسلم بيقين ..

وقد نبه على هذه اللطيفة جمع من أهل العلم كالبيهقي وابن تيمية وغيرهما

وأسوق هنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة

قال رحمه الله: (.. وتكون في الوتر منها،لكن الوتر يكون باعتبار الماضي ؛فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى”.

فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى

وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر
وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:“ تحروها في العشرالأواخر ” .

مجموع الفتاوى25-284


📌 كتبها الشيخ أ.د. صالح بن عبدالعزيز سندي - رئيس الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة.

------------------------------------------
تابع قناة فوائد الشيخ أ.د. صالح سندي على التيليجرام:
https://goo.gl/bRxreH

مراتب قيام ليلة القدر

| مراتب قيام ليلة القدر |

" للعبد في عمارة ليلة القدر بالصلاة أربعة أحوال:
1- أن يصلي الليل كله .
🌱وهذا هو الذي كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم لما قام ما قام في أوائل رمضان ثم تركه .

💡فكان صلى الله عليه وسلم يقوم أكثر الليل حتى يخشى أصحابه أن يفوتهم الفلاح يعني السَّحور.

🌱ويشرع قيام ليلة القدر كلها إذا استطاع ذلك، ولكن هذا عزيز في الخلق .

💡لهذا فإن المرء إذا قُدَّر له أن يصلي أول الليل وآخره - وهي الحال الثانية - ثم كان له سعة من وقته فإن صلاته بالليل وحده خير له من أن يجلس ويقرأ القرآن، فيشرع له أن يصلي لوحده ما بين الصلاتين استكثارا من قيام هذه الليلة.

2- أن يقوم أول الليل وآخره .

🌱وهذا القيام هو الذي صار عليه الناس وعليه العمل والفتوى؛
💡لأن أكثر الناس يعجزون عن قيام أكثر الليل، فلهم أن يقوموا أوله في صلاة التراويح وآخره في صلاة التهجد،
🌱وكلا الصلاتين من قيام رمضان، فليستا هما مختلفتين، وإنما فرق بينهما باعتبار ملاحظة حال الناس، وأنهم لو حملوا على صلاة الليل كله لشق ذلك عليهم .
💡وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه مر بالصحابة وهم يصلون أول الليل التراويح فقال: والتي تنامون عنها بخير مما تصلون .
• يعني أن الذي يشهد الصلاة في آخر الليل أكمل حالا ممن يقتصر على الصلاة أول الليل .

3- أن يقتصر على صلاة آخر الليل إذا عجز عن صلاة أوله؛ لأن آخر الليل مشهود .

4- أن يصلي أول الليل إذا لم يستطع أن يصلي آخره .

ومن لم يصلِّ أوله ولا آخره فذلك قد فاته العمل المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقد من ذنبه ".

 [ د. صالح بن عبدالله العصيمي - المدرس في الحرمين الشريفين ]

-----------------------------
تابع قناة مجمع الفوائد على التيليجرام


السبت، 25 يونيو 2016

إعانة عموم المسلمين على كشف شبهات الزائغين (عدنان إبراهيم وسيلفي أنموذجا) [الجزء الأول]

إعانة عموم المسلمين على كشف شبهات الزائغين
(عدنان إبراهيم وسيلفي أنموذجا)
[الجزء الأول]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين                                                                                          أما بعد :
فإن مما يُحزن النفس، ويُتعب القلب ما نشاهده هذه الأيام من الهجمات المتوالية على مسلّمات الدين والشريعة ، ويبث على قنوات يتابعها الملايين من المسلمين ، وأكثرهم من عامة الناس ، لا يميزون بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، لا يعرفون الدواء من الداء، هم كذلك وإن ظن بعضهم أنه خلاف ذلك ، فإن ما يسمعونه شبهاتٌ ، وما سُميت الشبهة شبهة إلا لأنها تشبه الحق من بعض الوجوه، فإذا سمعها من لا يدري ظن أنها عين الحق، وليست والله إلا الباطل (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب).
وقد أحسن من ضرب مثلا للشبهات والشهوات بالأمراض الحسية التي في الناس، فهناك من الأمراض ما له أثر ظاهر في جسم الإنسان، فكثير منها يمكن معالجته ولو بعد حين، وذلك مَثَلُ الشهوات المحرمة .
وبعض الأمراض ليس لها أعراض جانبية ظاهرة، ولا يكتشفها المريض إلا بعد وصولها إلى مراحل متقدمة فيصعب علاجها في الغالب ، كبعض أمراض القلب والكبد ونحوها ، وهذه مَثَل الشبهات المضلة .
فلا شك أنها أي الشبهات أعظم خطرا، وأشد فتكا على دين الإنسان من مرض الشهوة ، وفي كلِّ شر .
هذا وإن من طبيعة الشبهات أنها كثيرة لا حد لها، لأن مصادرها متنوعة ، ولذلك لا يكاد يوجد شيء في الوجود إلا وقد وجد من يجادل فيه ، حتى أظهر المسائل ، وهي وجود الرب جل جلاله ، وجد من حثالة البشر من يعارض ويقدح فيها ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : (...ولكن يُعلم أن الضلال لا حدّ له، وأن العقول إذا فسدت لم يبق لضلالها حد معقول).
وإذا كان الأمر كذلك فمن الصعوبة التصدي لكل شبهة خرجت، وإن قدّرنا وقوع ذلك، فالعامة لن يقرؤوا كل الردود ، فإن هذا مما لا يطيقونه .
لذلك أحببت أن أكتب قواعد كلية، وإشارات منهجية يستفيد منها عامة الناس في رد الشبهات بعد توفيق الله وحفظه لهم .
ومما يذكر أن وقت كتابتي هذه الكلمات هو اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المبارك ، للعام الهجري ١٤٣٧ ، وهو يصادف بث بعض البرامج التي ذاعت بين الناس ، كبرنامج صحوة ، وضيفه عدنان إبراهيم ، ومسلسل سيلفي الذي يكتب حلقاته بعض الكتاب والصحفيين، ولذلك سيكون في كلامي تمثيل على بعض هذه البرامج المعاصرة ، وذلك حتى تتضح الصورة تماما ، ويُستدل بها على غيرها من البرامج المشابهة .

القاعدة الأولى: ينبغي على المسلم حتى تصح رؤيته وحكمه على الأشياء النظر إليها من خلال النظر الدنيوي والنظر الأخروي ، وإهمال أحد الجانبين سبيل إلى خطأ التصور والإدراك .
ومن خلال تتبعي لكثير من مقالات الكتاب والصحفيين رأيت أنهم ينظرون إلى الأشياء بالنظرة الدنيوية الخالصة ، وكل من تأثر بهم إنما جاءه الخلل من وقوعه في هذا الغلط العظيم .
مثال ذلك : يقع كثير من شباب المسلمين في كثير من الإعجاب والإبهار ببعض المشاهير من الكفار كاللاعبين مثلا ، وهذا الإعجاب يحمل على تقليد ذلك الكافر وتتبع أخباره حتى الخاصة ، وقد يلبس لباسا فيه اسم اللاعب ورقمه ، وهذا الإعجاب عند النظرة الدنيوية الأولية قد يكون مُبرَرا ومُستساغا، لكن النظرة الأخروية ستغير الميزان تماما ، فإن من نظر إلى هذا اللاعب من جهة أنه كافر بالله، وأنه بذلك متعرض لغضب الله وسخطه ، وأنه مهما تمتع وتميز في هذه الدنيا فإنه بمجرد خروج الروح منه سيعذب عند موته، وفي قبره، وفي القيامة إلى أن يدخل النار خالدا فيها، وأنه سيذوق أصناف العذاب مما لا يخطر على بال ، إذا نظر المسلم هذه النظرة في الكافر الذي كان معجبا به، فإنه سيتغيره حكمه تماما ، وسيرى هذا الكافر من أعظم الناس غباوة وجهالة ، وأنه كما قال الله عن أمثاله (يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) ، و(إنْ هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).

مثال آخر : كثر الكلام من الطاعنين في الدين وأتباعهم على الجهاد الشرعي، وأنا هنا أتكلم عن الجهاد الذي جاء فضله في الكتاب والسنة، والذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا أتكلم عن الجهاد المخالف للشريعة، الذي يفعله الخوارج الضالون عليهم من الله ما يستحقون .
كثر الكلام في هذا الجهاد المشروع، وأنه اعتداء على النفوس، ووحشية وهمجية ، حتى رأينا من المنتسبين للإسلام من يريد تضييق مجالاته حتى يجعله في صور ضيق محدودة، وما كان ذلك ليكون لولا النظرة الدنيوية البحتة .
وأما من نظر إلى ذلك نظرا أخرويا أيضا ، فإنه يرى من تمام الرحمة للكفار أن نجاهدهم ، فإنه بالجهاد ينتشر الإسلام في بلادهم ، وتكون الكلمة العليا له، فتُعطى سبلا كثيرة للناس في النظر إلى محاسنه ومحبته ، فيدخلون فيه، ثم يكون سببا في نجاتهم في الحياة الحقيقية الباقية، وهي حياة الآخرة .
ووالله لو أن الكافر عاين العذاب يوم القيامة لود أن المسلمين كان لهم في بلاده الغلبة والسيادة حتى يتهيأ له الدخول في الإسلام .
إن أضرّ ما يكون على هؤلاء الكفار هم أولئك المسلمون الإنهزاميون الذين يدعُون إلى ترك الكفار وشأنهم لتحقيق الحرية المزعومة، والتقدم المصنوع .
والعجيب أن هؤلاء يجمعون على وجوب قتال الخوارج المارقين، معللين ذلك بحماية الناس من ظلم الخوارج وبطشهم، وهم مصيبون في ذلك، لكن تخليص الكفار مما هم فيه من الظلمة والكفر أولى وأحرى لو كانوا يعقلون .
وبالمناسبة : يتبين لك مما سبق غلط أولئك الذين يريدون إثارة الشبهات على الإسلام، فيقولون : (إن الإسلام انتشر بقوة السيف فقط)!!!
فإن هذه المقولة وإن كان التاريخ والواقع يكذبها، فهي محمدة لا مذمة على فرض التسليم بصحتها، إذ أن نشر ما ينفع الناس ولو بالقوة هو من الإحسان إليهم، وهذا الغرب الكافر كان وما زال ينشر ما يراه عدلا في العالم بقوته، ومن عارض رغباته من الدول فإنها تتعرض للضربات العسكرية، أو الحصار الإقتصادي ، أو غيرها من أنواع العقوبات .
وقل مثل هذا المثال في شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن في ظاهرها تقييد حريات الناس وتدخلا في شئونهم ، وفي حقيقتها حمايتهم مما قد يضرهم في دنياهم وأخراهم .
ولو رأى الناس أبًا يمنع ولده من شرب المسكر -ولو بالضرب- خوفا على عقله لرأوه محسنا غاية الإحسان، أفيكون الذي يمنع العصاة بالنصيحة أو السلطان خوفا عليهم من عقاب الرحمن مسيئا !!!
والخلاصة في هذه القاعدة : حتى تتخلص من الشبهات، وتميز النافع لك من الضار، عليك وزن الأمور بميزان النظر إلى الدنيا والآخرة .

القاعدة الثانية: إياك والإغترار بالعقل ، فإن العقل من أضعف الأشياء في الإنسان ، وبرهان ذلك أمران :
أ- أنه من جملة الإدراكات في الإنسان، ومن المعلوم أن الأشياء التي يدرك الإنسان الأشياء بها محدودة القوة ، وذلك كالسمع والبصر مثلا .
فالسمع له قوة محدودة، فهو يسمع الأصوات القريبة منه، ولا يسمع البعيدات، وربما قوي الصوت على السمع فصار لا يميز الكلام لقوته .
وكذلك البصر يرى القريبات ولا يرى البعيدات، وربما زاد عليه قوة شعاع المرئي كالشمس أو المصباح فصار لا يميز المرئي لقوته وضعف بصره عن الاحتمال .
والعقل كالسمع والبصر تماما ، له حدود لا يمكن أن يتعداها ، لأنه من جملة المدرِكات، فيعتريه ما يعتريها ، ومن ظن أنه يمكنه إدراك كل شيء بعقله، وتمييز الصحيح من الضعيف فهو واهم وطالبٌ محالا .
ب- أن العقل تؤثر عليه أشياء كثيرة، تمنعه من التصور الصحيح ، فيؤثر عليه الجهل وغياب المعلومة، ويؤثر عليه الهوى، ويؤثر عليه العرف السائد .
فمثال تأثير الجهل وغياب المعلومة أنك إذا رأيت رجلا يضرب زوجته لحكم عقلك على الرجل بأنه عديم الرحمة، فإذا قال لك: ضربتها لأنها فعلت كذا وكذا من الجرائم، وقد أنذرتها مرات كثيرة، لحكم عقلك بأنه رجل رشيد، قد أدى ما ينبغي عليه .
فإذا قالت لك الزوجة: إنه كاذب في حديثه، فإن عقلك يرجع إلى الحكم على الرجل بأنه عديم الرحمة .
أرأيت كيف يتغير حكم العقل ويتأثر بحسب حضور المعلومة أو غيابها ، فقل لي بربك كيف لك أن تسمع لكل أحد ، ثم تزعم أنك ستحكم على صحة كلامه من عدمه بعقلك ، إنك بفعلك هذا كمن يريد ركوب البحر المتلاطم الأمواج معتمدا على سفينة مخرقة الجوانب .
ولا بأس أن أقف هنا على مثالين اثنين على هذه النقطة ، أحدهما في عدنان إبراهيم، والآخر وقع في مسلسل سيلفي .
المثال الأول : لعدنان إبراهيم مقطع مشهور في اليوتيوب، يقول فيه وهو يتكلم على كتاب السنة لعبدالله ابن الإمام أحمد: (له كتاب في مجلدين، اسمه كتاب السنة، فيه بواطيل من المستحيل أن تصدقها) ، ثم قال: (فمن بواطيله روى عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم (ممّ الله ؟ فقال: إنه خلق خيلا، ثم عرِقت ، ثم خلق نفسه من ذلك العرق) ، ثم قال عدنان: (شيء مستحيل ، إن أردت أن تصدقه فعليك وضع عقلك جانبا حتى تصدقه ، كيف خلق الخيل ، ثم خلق نفسه من عرق الخيل ، من الذي خلق إذن ) . انتهى كلام عدنان .
قل لي أيها القارئ الكريم ولتستخدم عقلك : هل في إيراد هذا الحديث من الإمام عبدالله ما يطعن في الكتاب ومؤلفه ؟
دعني أجيب عنك فأقول : نعم لا شك في ذلك ، فهذا الحديث لا يتصوره العقل ، وإن من الغباء إيراده في كتاب ، ولا أظن عقلك إلا موافقا لحكمي هذا .
لكن انتبه : هناك معلومة غائبة عنك ، أثّرت على حكمك العقلي ، أتدري ما هي ؟
هي أن هذا الحديث غير موجود أصلا في الكتاب، وهو من كذب عدنان إبراهيم على المؤلف ، والكتاب مطبوع متداول ، ففتش في جميع صفحاته فإنك لن تجده .
كيف حكمك العقلي الآن ؟
أرأيت كيف تأثير غياب المعلومة على عقلك ، فإياك أن تسمع كلاما ، ثم تقول : سأميز بعقلي .
ومن العجيب أن الدارمي وبعده شيخ الإسلام ذكرا أن الضُلَّال ينسبون إلى أهل الحق إيراد هذا الحديث في كتبهم لينفروا الناس عنهم ، فهي سنة قديمة لأهل الضَلال جدَّدها عدنان إبراهيم في عصرنا .
المثال الثاني : عُرضت في مسلسل سيلفي العام الماضي حلقة تحكي قصة أن سعوديين أرادا السفر إلى بلاد الغرب، وأحب بعضهما بعضا، ثم عرفا فيما بعد وهم في الطائرة أن أحدهما سني واسمه يزيد، والآخر رافضي واسمه عبدالنبي، فتعصب السني إلى يزيد، وتعصب الرافضي إلى الحسين، وحصل شجار بينهم في الطائرة ، ثم ذهبا إلى قسم الشرطة، فقال لهم المحقق الكافر : إنه لا بد من استدعاء يزيد واستدعاء الحسين لنعرف الموضوع أكثر ، فرد السني والرافضي: إنهما ماتا قبل أكثر من ١٤٠٠ سنة ، فقال المحقق الكافر : إذن نحولكم إلى مستشفى المجانين ، كيف يحصل شجار على أناس ماتوا قديما . انتهت خلاصة القصة .
هنا النظر العقلي يلزمك التسليم لمحتوى القصة ودلالتها ، وربما ضحكت واتهمت أهل السنة بالجنون .
لكن إليك معلومات ستغير رؤيتك للقصة :
١- هل تعلم أن يزيد هذا ليس صحابيا ، وليس له من حرمة الصحابة وعدم التعرض لهم أي شيء ، بل إن الإمام أحمد سُئل: (أيؤخذ الحديث عن يزيد؟ قال: لا، ولا كرامة).
وقال أيضا : (وهل يحب يزيدَ مَن يؤمن بالله واليوم الآخر) ، ولما سأله ابنه : (هل تلعنه؟ قال: ومتى رأيت أباك لعّانا) ، فما منعه من لعنه إلا التورع وتنزيه اللسان عن اللعن .
فما جاء في القصة من تعصب أهل السنة ليزيد كذب .
٢- هل تعلم أن أهل السنة يذمون الرافضة على بكائهم على الحسين ، ويقولون: إنه قد قتل من هو خير من الحسين كعمر وعثمان وعلي ، ومع ذلك فالمسلم مأمور بالصبر ، ومنهي عن الحزن المبالغ فيه، وعن النياحة واللطم ، وأنهم يَعدُّون مَن فعل ذلك فقد فعل كبيرة من كبائر الذنوب .
إذن : ما ذُكر في القصة منسوبا إلى أهل السنة كذب عليهم أيضا .
٣- هل تعلم أن أهل السنة يذمون الرافضة في خوضهم فيما شجر بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعللون ذمهم لذلك بعلل كثيرة ، منها أنهم يقولون: إنهم أمة مضوا إلى الله، فلا فائدة من ذكر ما شجر بينهم ، ويستدلون بقوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون(.
إذن : جنس ما قاله المحقق الكافر، والذي صوّره المسلسل أنه عين العقل، يقول مثله في هذه المسألة أهل السنة، فمن الظلم جعلهم في خانة من يتكلم فيما لا فائدة منه .
وأهل السنة لا يذمون أحدا أحبَّ الحسين رضي الله عنه ، بل يرون محبته من تمام الإيمان وعلاماته ، وإنما يذمون الغلو فيه، وزعم أن محبته تقتضي بغض أكثر الصحابة كما تقوله الرافضة .
فهذه ثلاث معلومات غيابها يؤثر في حكمك على القصة في المسلسل .
جميع ما تقدم هو أمثلة لتأثير غياب المعلومة على تصور الإنسان وعقله .

وأما تأثير الهوى على العقل فكثير ، فلو طلب رئيس الشركة رأي الموظفين في توقيع الحضور في أي وقت يكون ، في أول الدوام أو آخره ، لرأى الموظف المجتهد أنّ جعله في أول الدوام عين العقل ، ورأى الموظف الكسول أن جعله آخر الدوام هو عين العقل ، وهذا أمر مشاهد محسوس .
ويسير صاحب السيارة في طريق، فيجد بعض المشاة يريدون المرور من خلاله إلى الجهة الأخرى ، فإذا كثروا وتوقف ، قال منزعجا: أما يرون سيارتي تريد المرور ؟! ، وقال المشاة إذا تحركت السيارة : أما يرانا نريد العبور؟! ، وما اختلفوا إلا لأجل الهوى الموجود ، فكلٌ يريد تقديم مصلحته .
إذا فهمت ذلك جيدا فاعلم أنه من المصائب أن يأتي الشاب فيسمع كلاما لا يعرف حقه من باطله ، ويريد أن يحكم بعقله عليه، مع وجود الهوى في نفسه .
وأقرب شيء وأوضحه : أن يأتي شاب له سنوات في سماع الموسيقى ومحبتها، فيسمع كلامَ مَن يجيزها ، ثم يظن أن عقله دلَّه على صحة كلام المتكلم ، وفي الحقيقة أن العقل لم يدله على ذلك، وإنما هذا فعْلُ الهوى به .
ولذلك تجد أمثال هؤلاء يحبون كلام عدنان إبراهيم وخطابه، ويزعمون أن حبهم للإسلام زاد وارتفع ، وإذا سألتهم : هل زاد حرصكم على الصلاة ؟ وهل كثرت قراءتكم للقرآن ؟ وهل تنامى حب مواسم الخير كرمضان والحج في قلوبكم ؟ ستجد أن الإجابة على هذه الأسئلة كلها بالنفي !!!
إذن : ما تفسير محبة الإسلام والدِّين الذي وجده هؤلاء في قلوبهم ؟
إن تفسير ذلك هو أنهم كانوا يسمعون الغناء وفي قلوبهم حسرة وغما لسماعه ، يجدونها في أثناء السماع أو بعده ولو في بعض الأحيان، لعلمهم بحرمته وأنه يعرضهم للعقاب، فإذا سمعوا مَن يجيزه لهم فرحوا لزوال ذلك الهمّ والحسرة، فظنوا أن الراحة التي وجدوها هي زيادة محبة في الدين ، وليست هي كذلك، وإنما هي فرح بزوال الهم وموافقة الهوى .
وكذلك المرأة إذا قيل لها : إن لكِ أن تكشفي عن وجهك وشعرك، ولكِ أن تذهبي أين شئتِ ولو مسافة سفر بدون محرم ، ولكِ أن تكوني رئيسة على البلاد، فإن هذا سيوافق هوى عند بعضهن، فيدخل في عقلها دون استئذان، فتظن أنها بعقلها ميّزت وحكمت .
وتجد أيضا كثيرا من هؤلاء يقتنعون بأي دليل حتى لو كان مضحكا ، فتراهم إذا سمعوا مَن يجيز الموسيقى بحجة أن لبعض العصافير أصواتا جميلة تشبهها كبَّروا وهلّلوا، وظنوا أنه فتح عظيم لم يُسبق إليه المتكلم .
هذا مع أن الله خلق وحوشا تفترس غيرها، فعلى كلامهم: يجوز لك افتراس غيرك، لأن الله خلق وحوشا مفترسة، وإن لم تقدر على ذلك فعليك بالعضة، ولتكن من الأضراس حتى تحقق أهدافها .
ما هذا الدِّين الذي يريدون !!!

يقول عدنان إبراهيم وهو يريد تجويز الموسيقى : (إن ما يسمى بالشيلات هي استجابة لحاجة الإنسان للموسيقى).
على كلامه ؛ كذلك النظر المحرم والمعاكسات هي استجابة لحاجة الإنسان إلى النكاح ، فتصير حلالا على قاعدته .
إن أغلب ما يفعله الإنسان هو استجابة للغرائز التي فيه ، لكن هذه الغرائز منها ما هو جائز، ومنها ما هو محرم، فليس كل ما كان استجابة للغريزة يصير حلالا ، وإلا حتى ظلم الناس وأكل أموالهم استجابة لغريزة الطمع والشح .
ومن أمثلة تأثير الهوى على عقول هؤلاء أنهم يكثرون من الكلام عن رحمة الله ومغفرته للعاصين، ولا تجد لهم كثير كلام في عقوبة الله وغضبه وسخطه، وهذا خلاف طريقة القرآن والسنة .
حتى أنني سمعت عدنان إبراهيم يتكلم في برنامجه (ليطمئن قلبي) ، ويقول ما معناه: (أيها المؤمن بالله، لا تخف مما هو قادم، ولا تسمع للمشايخ الذين يخوفونك بالموت والقبر والقيامة)، ثم يستدل على كلامه بالآيات التي فيها الإخبار عن المؤمنين بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأنهم آمنون من الفزع يوم القيامة .
وما علم أن الطريق إلى الأمان لم يكن إلا بعد الخوف من الله في الدنيا ، ولذلك الله يخبر عن المؤمنين بأنهم يخافونه ، كما قال تعالى (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) ، وقال(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا) ، وقال (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) ، وقال في الساعة (والذين ءامنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق)، والآيات في ذلك كثيرة، وحال الأنبياء وأتباعهم في الخوف من الله أشهر من أن تذكر، وحسبك من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم(لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا،ولبكيتم كثيرا)، فاللهم رحماك رحماك .
فلتحذر أخي المسلم من هذه الخطابات ، فإنها والله مهلكة لك ، وأخشى أن من يتبعها يكن له نصيب في القيامة من قوله تعالى(وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)، فظنوا في أنفسهم خيرا، فيظهر لهم ما لم يخطر في بالهم .
والحاصل من هذه القاعدة : لا تعتمد على عقلك فقط في معرفة الحق من الباطل ، فعقلك يعرض عليه ما يغيّره ويؤثر عليه .

القاعدة الثالثة: إذا أشكلت عليك الأمور فعليك بالنظر إلى القرائن، فإنها تهديك إلى الحق إن شاء الله .
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى " .
فسليمان عليه السلام استدل بقرينة شفقة الصغرى على الطفل وخوفها عليه أنه ابنها .
فكذلك اصنع فيما تراه وتسمعه من الشبهات .
وأنا أذكر لك بعض القرائن الدالة على ضلال بعض الكتاب والمتكلمين، ولا بأس بتسمية بعضهم :
أ- كثير من هؤلاء لا تجد عندهم دعوة للفضائل المجمع عليها ، ولا إنكارا على المنكرات المجمع عليها .
فمثلا : عدنان إبراهيم وأحمد قاسم الغامدي ممن اشتهرا بالقول بجواز كشف المرأة وجهها، وجواز اختلاطها بالرجال .
حسنا : هذه المسألة فيها أشياء مجمع عليها ، فمن ذلك : أنه حتى على القول بجواز كشف المرأة وجهها، فإن العلماء مجمعون على استحباب التغطية ، وأن التغطية أفضل للمرأة من الكشف ، فهل سمعت هذين الرجلين وأمثالهما يدعوان إلى هذه الفضيلة في كلامهم !!!
وكذلك حتى على القول بجواز اختلاط المرأة بالرجال ، فإن العلماء مجمعون على فضيلة قرار المرأة في بيتها، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد ، وأن خير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها ، فهل سمعت هذين الرجل وأمثالهما يدعوان إلى هذه الفضيلة !!!
وأيضا أجمع العلماء على أن صدر المرأة وساقها وشعرها من العورة التي يجب سترها، وأن كشفها عند الأجانب من المنكرات ، فهل رأيت هذين الرجلين ينكران هذا المنكر مع انتشاره لا سيما عند أهل الإعلام من مذيعات وممثلات !!!
بل والله الذي رأيناه أن هؤلاء خرجوا مع مذيعات كشفوا حتى إلى الركب .
ومع قولهم بجواز الموسيقى، هلاّ أنكروا على المغنيات اللائي يخرجن بملابس فاضحة ، مع تمايل وإغراء ورقص.، والله لن تسمع منهم كلمة واحدة في ذلك .
ألا يحملك هذا الأمر على التوقف، وعدم العجلة بالسير خلف هؤلاء ؟
إني أرجو لك هذا ، وأظنه بك .

ثم وأنا أكتب لك هذا الكلام رأيت أحمد بن قاسم الغامدي يعيد تغريدة رجل ملحد يتكلم فيها على الأديان، فيقول : (الخرافات الدينية، العقد الدينية، الفاشية الدينية) ، وتعلم أن الملحد إذا عبّر عن الأديان وطعن فيها ، فإنما يريدها كلها بما فيها الإسلام .
فيأتي بعض الطيبين من متابعي الغامدي هذا فيقول له: (يا شيخ أنت أعدت تغريدة لملحد، فتراجع عن إعادتها) ، فيرد الغامدي: العبرة بصحة القول لا بقائله !!!
أرأيت إلى أين وصل هؤلاء .
ب- ومن القرائن على ضلالهم أيضا : كثرة تناقضاتهم ، والتناقض في الكلام أبين دليل على بطلانه .
والتناقض موجود في كلامهم بكثرة حتى أنه يصعب حصره، فعدنان إبراهيم وحسن المالكي وأضرابهم يزعمون أن اليهود والنصارى يجوز لهم عبادة الله على ما شُرِع في التوراة والإنجيل ، ولا يلزمهم اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم إذا أراد أحدهم الطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إنها مأخوذة من أهل الكتاب من الاسرائيليات) ، وإذا أرادوا الطعن في صحابي قالوا : (يروي عن بني إسرائيل) !!!
ورأيتُ عدنان إبراهيم يضعّف أحاديث كثيرة في البخاري ومسلم، فإذا أراد تضعيف حديث رواه الترمذي مثلا، قال: ضعيف لم يخرجه البخاري ومسلم !!!
وإذا قلت لأصحاب مسلسل سيلفي : لماذا لا تذكرون إلا سلبيات رجال الهيئة، ولا تذكرون إيجابياتهم؟ قالوا: لأن فكرة المسلسل قائمة على ذكر السلبيات لا الإيجابيات.
فإذا نقدتً مسلسلهم، قالوا: أنتم لا تنظرون إلا إلى السلبيات!!!
أحلال عليكم، وحرام علينا !
والكلام على تناقضاتهم يطول .
ج- أنهم انتقائيون، فيستدلون ببعض ما يريدون من الآيات، ويتركون آيات أخرى أكثر منها في الموضوع نفسه !
فإذا أراد الواحد منهم الكلام على الدنيا فتجد أنه كأنه لم يوجد كلام في القرآن عنها إلا قوله تعالى (ولا تنس نصيبك من الدنيا).
هذا مع أن الآيات في ذم الدنيا والركون إليها كثيرة جدا ، بل حتى هذه الآية التي استدلوا بها قبلها قوله تعالى (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) ، وكثير في القرآن معنى قوله تعالى (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد(، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما لي وللدنيا، إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها).
وهذه الانتقائية ليست فقط في نصوص الكتاب والسنة ، بل حتى في أقوال العلماء ، فهذا ابن حزم الذي يكثرون من الاستدلال بأقواله على جواز الموسيقى، يقول كما في كتابه طوق الحمامة : (حُرِّم على المسلم الالتذاذ بسماع نغمة امرأة أجنبية) ، فهلاّ ذكروا هذا النص ممن يمدحون علمه وفقهه !

القاعدة الرابعة: إياك والوقوع في المقابلة الظالمة ، التي تجعل الإسلام كغيره ، والحق كالباطل ، فيقول لك هؤلاء: إذا سمح لنا الكفار بالحرية في بلادهم، فلنسمح لهم بالحرية في بلادنا ، هذا من أعظم الغلط ، إذ فيه تسوية الحق بالباطل، والنور بالظلمة، فمقتضى الكلام ومنطوقه : إذا سمح الكافر لنا بالدعوة إلى الإسلام ، فلنسمح له بالدعوة إلى الكفر، ومثل هذا القائل كمثل من قال لك : أنا سمحت لك بالطهارة والنظافة في بيتي، فاسمح لي بالقذارة والنجاسة في بيتك !!!
والله جل وعلا ذم الذين يمنعون الناس عن سماع القرآن، فقال (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن) ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم سماع كلام المشركين الباطل ، وحث على الإعراض عنه فقال (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) ، فالكل مَنَعَ من سماع شيء وأعرض عنه ، لكن من أعرض عن سماع الحق مذموم ، ومن أعرض عن سماع الباطل ممدوح .
فلا بد من فهم هذه القضية جيدا، وهي راجعة إلى التسليم بحق التشريع لله، وأن شرعه حاكم على كل أحد، رضي من رضي، وأبى من أبى .
وقد أوجب عدم الفهم لهذه القضية إشكالات كثيرة ، فترى الداعي إلى الحرية المطلقة، وترى المنادي بالتعايش في سبيل الوطن ، وهذه كلها عبارات لا يمكن لمسلم عَرَف الشريعة، وعرف وجوب تحكيمها على الأفراد والمجتمعات – لا يمكن له قبولها على ما فيها من إجمال، فهي عنده عبارات تحتمل حقا وباطلا ، فالحرية مثلا إن كان يراد بها السماح بالصلاة والزكاة وإظهار شرائع الإسلام، والبيع والشراء فيما أحله الله، فهي حرية محمودة مطلوبة .
وإن كان يراد بالحرية السماح بالرقص والمجون ، أو شرب الخمور، فهذه حرية مذمومة ممنوعة.
بل لو أن رجلا غنيا قال : أنا حر في مالي ، فوصّى أن يكون المال لأحد الأبناء دون إخوته الآخرين ، لما جاز أن تنفذ وصيته ، فهو ليس حرا في ذلك .
فإذن : لفظ الحرية لا يمكن قبوله مطلقا ، أقول هذا مع علمي بأن أكثر هؤلاء الداعين إلى الحرية هم أكثر الناس تضييقا على من يخالفهم ، فلا تجد صحيفة تابعة لهؤلاء توافق على نشر خلاف ما يعتقدون ، وقد جرّب الناصحون كثيرًا، ولم يروا من هؤلاء إلا المنع والإعراض.

القاعدة الخامسة: إذا رأيت المبطل ينشر باطله ، ولم تر ردا لأهل الحق عليه، فلا تظن أن هذا دليل على صدق كلام المبطل ، لأن الاحتمالات كثيرة، فربما أن الله بحكمته قدّر أن الرد عليه لا يكون إلا متأخرا امتحانا واختبارا للناس، والله عليم حكيم ، أو يكون الرد عليه موجودا وبكثرة، لكن التقصير منك أنت الذي لم تطلع عليها .
فمن ذلك عدنان إبراهيم هو من أكثر الناس الذين توالت عليهم الردود العلمية ، المستندة إلى الكتاب والسنة، لكن الناس لا يقرأون .
وقد أحسن كثيرون في الرد على عدنان ، لكن من أحسن الردود التي رأيت ردود الأخ أبي عمر الباحث في قناة له على اليوتيوب مشهورة، فقد بذل جهدا كبيرا في بيان باطل عدنان وضلاله ، فارجع لها .

القاعدة السادسة: من القواعد العظيمة ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه (من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له)، فأكثرْ من الدعاء بأن يهديك الله للحق، ويجعلك سائرا عليه ، فأنت في أمس الحاجة إليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من أن يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) ، وإذا اشتبهت عليك الأمور فادع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي من الليل قال: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).

القاعدة السابعة: لا تحزن يا صاحب الحق إذا رأيت كثرة أهل الباطل ، وانتشار شبهاتهم ، فمهما فعلوا فدينك هو المنتصر، وهو الباقي(يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) ، والله يقول (وإن جندنا لهم الغالبون)، ويقول (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا).
 أسأل الله لي ولك الخير والهدى، والتوفيق والسداد ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .


وكتبه: ناصر بن غازي الرحيلي

المحاضر في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية
-------
للاطلاع على الجزء الثاني انظر هنا http://goo.gl/N5eRY2
----------------------------------------------
وللتواصل مع الكاتب : abod-nasser@hotmail.com
----------------------------------------
قناة مجمع الفوائد على التيليجرام
https://goo.gl/Wwkq6O