(فانظروا عمن تأخذون دينكم)
-رسالة إلى متابعي الشيخ المغامسي ووعاظ الفضائيات!!!-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإنه قد وصلني مقطع غريب عجيب للشيخ صالح المغامسي هداه الله وصف فيه: أهل السنة والشيعة والإسماعيلية والإباضية جميعا بأنهم من أهل القبلة وأنهم سواء فيما زعمه من مسائل وأرادها أن تكون دلائل على دعواه.
ولست في هذا المقام متعرضا لنقض دعواه ودليله الواهي، بل في مقام تذكير الناس بأمر في غاية الأهمية؛ وهو: (فانظروا عمن تأخذون دينكم)، وقد كتبت في ذلك مقالا قديما قلت فيه:
مع التوسع الواضح في وسائل التواصل في زمان الناس اليوم، توسع الناس أيضا في تناقل كل ما يقع بين أيديهم من أخبار ومقاطع صوتية ومرئية، من غير تثبت ولا تمحيص.
ويعظم الخطب إذا تعلق الأمر بدين الله تبارك وتعالى وشرعه؛ إذ كيف يصح لعاقل أن ينشر مقاطع لمن لا يعرف حاله، ولم تتبين له مكانته وثقته في العلم والدين ؟!
أخي الكريم: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)؛ هكذا روي من غير وجه عن الإمام ابن سيرين كما قال الحافظ ابن رجب (العلل 355/1)، وتلقته الأمة عنه بالقبول، وجعلته قاعدة في طريقة التلقي عن الأشياخ، وهكذا كانت طريقة السلف الماضين في تلقي العلم والدين:
قال سليمان بن موسى: لقيت طاووسا فقلت: حدثني فلان كيت وكيت، قال:《إن كان صاحبك مليا فخذ عنه》، أخرجه مسلم في المقدمة (15/1)، ومعنى (مليا):أي ثقة في دينه (الجرح والتعديل 27/2)
وقال الإمام الأوزاعي:《خذ دينك عمن تثق به وترضى عنه》، (الجرح والتعديل 29/2)
وقال ابن عون:《لا يؤخذ هذا العلم إلا ممن شهد له بالطلب》، (الكفاية ص: 161)، وجاء مثله عن عبد الرحمن بن يزيد انظره في (التاريخ لأبي زرعة 380/1)
وتأمل أيها الموفق هذا الأثر عن الإمام مالك لترى ما نحن فيه اليوم من العجلة وعدم التروي:
أخرج ابن عبد البر في (التمهيد 67/1) بإسناده إلى أشهب قال: سمعت مالكا يقول: (أدركت بالمدينة مشايخ أبناء مائة وأكثر، فبعضهم قد حدثت بأحاديثه، وبعضهم لم أحدث بأحاديثه كلها، وبعضهم لم أحدث من أحاديثه شيئا، ولم أترك الحديث عنهم لأنهم لم يكونوا ثقات فيما حملوا، إلا أنهم حملوا شيئا لم يعقلوه)
الله أكبر؛ فكيف لو جمع من ينشر له بين الجهالة في حاله، والجهل بما يقول ؟!
ورحم الله الأوزاعي إذ يوصي هذه الوصية الغالية:《اعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعن من تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون》، (تاريخ دمشق 361/6)
فإن قال قائل: هذه مواعظ ورقائق وليست من دقيق العلم وعقده، فلم التشديد؟
فجوابه:
اعلم أخي أن (الوعظ) منصب [العلماء] تجرأ عليه [الدخلاء]
فمن غريب ما يسمع، وعجيب ما يلقى:
هذا (واعظ) .
وذاك (عالم وفقيه)؛
كأن الوعظ مستباحة حماه، والوعظ غير دين الإله.
نعم؛ فالبعض لا يعرف من الوعظ سوى القصص المضحكات، والأحاجي الكاذبات، والصراخ والبكاء والآهات، وكذبوا:
فالموعظة الحسنة تجمع التصديق بالخبر والطاعة للأمر؛ ولهذا يجيء الوعظ في القرآن مرادًا به الأمر والنهي بترغيب وترهيب؛
أفاده أبو العباس ابن تيمية كما في الفتاوى 45/2، 28/20.
وقال ابن القيم:(الموعظة الحسنة هي الأمر والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب)، [المدارج 157/3]
ولذا كان هذا المنصب في القديم منصب العلماء والفقهاء:
يقول ابن الجوزي رحمه الله:(كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء...)، [تلبيس إبليس (123) ]
وقال أيضاً:(لا ينبغي أن يقص على الناس إلا العالم المتقن فنون العلم..)،[كتاب القصاص المذكرين، ص: 181]
وقد حذر أبو إدريس الخولاني من رجل يقص ليس بفقيه، انظره في: الحلية 123/5.
ولكن وللأسف (خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال، فبعد عن الحضور وعندهم المتميزون من الناس، وتعلق بهم العوام والنساء، فلم يتشاغلوا بالعلم، وأقبلوا على القصص وما يعجب الجهلة وتنوعت البدع في هذا الفن)، [قاله في تتمة كلامه السابق من: التلبيس]
فصاروا -كما قال ابن دحية الكلبي-:(يروون للعوام جملة من الترهات)، [أداء ما وجب، ص: 74]
(فقال الواعظ كل شيء لجهله بالتصحيح، ففسدت أحوال الزاهد، وانحرف عن جادة الهدى وهو لا يعلم)، [صيد الخاطر، ص: 238]
ومن جليل فقه ابن قتيبة بحال هؤلاء أن قال:(يميلون وجوه العوام إليهم، ويستدرون ما عندهم بالمناكير، والغريب، والأكاذيب من الأحاديث، ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبا خارجا عن فطر العقول)، [تأويل مختلف الحديث، ص: 279]
فعلى من ولاه الله أمر المسلمين منع أمثال هؤلاء والحجر عليهم؛ كما أمر السلطان المعتضد أن ينادى في بغداد: ألا يقعد على الطريق، ولا في مسجد الجامع قاص، ولا صاحب نجوم، [تاريخ الأمم والملوك 604/5]
وقال ابن عون:(دخلت على ابن سيرين فقال: ما كان اليوم من خبر؟ ، قلت: نهى الأمير القصاص أن يقصوا، فقال: وفق للصواب)، [الإحياء 34/1]
وجدير أن يسن في هذا الأعصار ما سنه خال المؤمنين معاوية رضي الله عنه؛ بأن لا يعظ إلا من أذن له، [تاريخ دمشق 131/32]
إذا تبين لك أخي هذا فاعلم أولا وآخرا: أن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
أخوكم: أمير بن أحمد قروي
المدينة النبوية.
-----------------------------
قناة الدر الملتقط للشيخ أمير قروي - عضو جمعية عقيدة والباحث في مرحلة الدكتوراه في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية.
https://t.me/dormol
-رسالة إلى متابعي الشيخ المغامسي ووعاظ الفضائيات!!!-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإنه قد وصلني مقطع غريب عجيب للشيخ صالح المغامسي هداه الله وصف فيه: أهل السنة والشيعة والإسماعيلية والإباضية جميعا بأنهم من أهل القبلة وأنهم سواء فيما زعمه من مسائل وأرادها أن تكون دلائل على دعواه.
ولست في هذا المقام متعرضا لنقض دعواه ودليله الواهي، بل في مقام تذكير الناس بأمر في غاية الأهمية؛ وهو: (فانظروا عمن تأخذون دينكم)، وقد كتبت في ذلك مقالا قديما قلت فيه:
مع التوسع الواضح في وسائل التواصل في زمان الناس اليوم، توسع الناس أيضا في تناقل كل ما يقع بين أيديهم من أخبار ومقاطع صوتية ومرئية، من غير تثبت ولا تمحيص.
ويعظم الخطب إذا تعلق الأمر بدين الله تبارك وتعالى وشرعه؛ إذ كيف يصح لعاقل أن ينشر مقاطع لمن لا يعرف حاله، ولم تتبين له مكانته وثقته في العلم والدين ؟!
أخي الكريم: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)؛ هكذا روي من غير وجه عن الإمام ابن سيرين كما قال الحافظ ابن رجب (العلل 355/1)، وتلقته الأمة عنه بالقبول، وجعلته قاعدة في طريقة التلقي عن الأشياخ، وهكذا كانت طريقة السلف الماضين في تلقي العلم والدين:
قال سليمان بن موسى: لقيت طاووسا فقلت: حدثني فلان كيت وكيت، قال:《إن كان صاحبك مليا فخذ عنه》، أخرجه مسلم في المقدمة (15/1)، ومعنى (مليا):أي ثقة في دينه (الجرح والتعديل 27/2)
وقال الإمام الأوزاعي:《خذ دينك عمن تثق به وترضى عنه》، (الجرح والتعديل 29/2)
وقال ابن عون:《لا يؤخذ هذا العلم إلا ممن شهد له بالطلب》، (الكفاية ص: 161)، وجاء مثله عن عبد الرحمن بن يزيد انظره في (التاريخ لأبي زرعة 380/1)
وتأمل أيها الموفق هذا الأثر عن الإمام مالك لترى ما نحن فيه اليوم من العجلة وعدم التروي:
أخرج ابن عبد البر في (التمهيد 67/1) بإسناده إلى أشهب قال: سمعت مالكا يقول: (أدركت بالمدينة مشايخ أبناء مائة وأكثر، فبعضهم قد حدثت بأحاديثه، وبعضهم لم أحدث بأحاديثه كلها، وبعضهم لم أحدث من أحاديثه شيئا، ولم أترك الحديث عنهم لأنهم لم يكونوا ثقات فيما حملوا، إلا أنهم حملوا شيئا لم يعقلوه)
الله أكبر؛ فكيف لو جمع من ينشر له بين الجهالة في حاله، والجهل بما يقول ؟!
ورحم الله الأوزاعي إذ يوصي هذه الوصية الغالية:《اعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعن من تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون》، (تاريخ دمشق 361/6)
فإن قال قائل: هذه مواعظ ورقائق وليست من دقيق العلم وعقده، فلم التشديد؟
فجوابه:
اعلم أخي أن (الوعظ) منصب [العلماء] تجرأ عليه [الدخلاء]
فمن غريب ما يسمع، وعجيب ما يلقى:
هذا (واعظ) .
وذاك (عالم وفقيه)؛
كأن الوعظ مستباحة حماه، والوعظ غير دين الإله.
نعم؛ فالبعض لا يعرف من الوعظ سوى القصص المضحكات، والأحاجي الكاذبات، والصراخ والبكاء والآهات، وكذبوا:
فالموعظة الحسنة تجمع التصديق بالخبر والطاعة للأمر؛ ولهذا يجيء الوعظ في القرآن مرادًا به الأمر والنهي بترغيب وترهيب؛
أفاده أبو العباس ابن تيمية كما في الفتاوى 45/2، 28/20.
وقال ابن القيم:(الموعظة الحسنة هي الأمر والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب)، [المدارج 157/3]
ولذا كان هذا المنصب في القديم منصب العلماء والفقهاء:
يقول ابن الجوزي رحمه الله:(كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء...)، [تلبيس إبليس (123) ]
وقال أيضاً:(لا ينبغي أن يقص على الناس إلا العالم المتقن فنون العلم..)،[كتاب القصاص المذكرين، ص: 181]
وقد حذر أبو إدريس الخولاني من رجل يقص ليس بفقيه، انظره في: الحلية 123/5.
ولكن وللأسف (خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال، فبعد عن الحضور وعندهم المتميزون من الناس، وتعلق بهم العوام والنساء، فلم يتشاغلوا بالعلم، وأقبلوا على القصص وما يعجب الجهلة وتنوعت البدع في هذا الفن)، [قاله في تتمة كلامه السابق من: التلبيس]
فصاروا -كما قال ابن دحية الكلبي-:(يروون للعوام جملة من الترهات)، [أداء ما وجب، ص: 74]
(فقال الواعظ كل شيء لجهله بالتصحيح، ففسدت أحوال الزاهد، وانحرف عن جادة الهدى وهو لا يعلم)، [صيد الخاطر، ص: 238]
ومن جليل فقه ابن قتيبة بحال هؤلاء أن قال:(يميلون وجوه العوام إليهم، ويستدرون ما عندهم بالمناكير، والغريب، والأكاذيب من الأحاديث، ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبا خارجا عن فطر العقول)، [تأويل مختلف الحديث، ص: 279]
فعلى من ولاه الله أمر المسلمين منع أمثال هؤلاء والحجر عليهم؛ كما أمر السلطان المعتضد أن ينادى في بغداد: ألا يقعد على الطريق، ولا في مسجد الجامع قاص، ولا صاحب نجوم، [تاريخ الأمم والملوك 604/5]
وقال ابن عون:(دخلت على ابن سيرين فقال: ما كان اليوم من خبر؟ ، قلت: نهى الأمير القصاص أن يقصوا، فقال: وفق للصواب)، [الإحياء 34/1]
وجدير أن يسن في هذا الأعصار ما سنه خال المؤمنين معاوية رضي الله عنه؛ بأن لا يعظ إلا من أذن له، [تاريخ دمشق 131/32]
إذا تبين لك أخي هذا فاعلم أولا وآخرا: أن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
أخوكم: أمير بن أحمد قروي
المدينة النبوية.
-----------------------------
قناة الدر الملتقط للشيخ أمير قروي - عضو جمعية عقيدة والباحث في مرحلة الدكتوراه في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية.
https://t.me/dormol
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق